فلسطين أون لاين

تقرير الفنَّان المقوسي.. في خيمة النُّزوح ينفِّذ ورشات فنِّيَّةً للأطفال (صور)

...
الفنَّان المقوسي.. في خيمة النُّزوح ينفِّذ ورشات فنِّيَّةً للأطفال (صور)
غزة/ هدى الدلو:

في السابع من أكتوبر العام الماضي، يوم سبت، اجازته من العمل، وكالعادة كان يستيقظ الفنان باسل المقوسي ويشرب قهوته ويخرج لمرسمه، ولكن هذا اليوم كان مختلف عن كل يوم في حياته، استيقظ على صوت الصواريخ والقصف في كل مكان، خصوصًا أنه يسكن في منطقة بيت لاهيا القريبة من الحدود مع الأراضي المحتلة عام 48

بعد ساعات ومن شدة القصف خرج مع أسرته إلى حي الشيخ رضوان، وبعد ساعات قليلة عرف أن بيته تعرض للقصف المباشر وتم تدمير جزء كبير منه، واصبح لا يصلح للسكن.

يقول لموقع "فلسطين أون لاين": "في هذه الحرب الأفظع في العالم دمروا كل ما نملك من حضارة، ودمروا مقتنياتنا الحديثة والقديمة التي تحمل كل قطعة منها ذاكرة مليئة بالحب والفرح وذاكرة أخرى مليئة بالحزن والبكاء".

ويضيف أنه كفنان فقد كل ما يملك من لوحات أنتجها منذ عام 1995 وحتي 2023، وكان قد خزنها في بيته المدمر للمرة الثانية، ولم ينتهي حتي اللحظة من استكمال كل مستلزمات بيته الذي دمرته الطائرات عام 2008 وعادت إليه مرة ثانية عام 2023 لتمسح كل ما به من خصوصيات ومقتنيات يمتلكها كلها أصبحت تحت الركام.

image-1704702481.webp
 

ويتابع حديثه: "أنا لا أرسم ما هو مباشر عن الحرب، فالكاميرا والصحفيون يوثقون بشكل أفضل وأسرع مشاهد الحرب، بل أرسم اللحظات والمشاهد التي لا يمكن للكاميرا توثيقها أو التعبير عنها، هنا تحديداً يأتي دوري كفنان، أعبّر عنها بطريقتي الخاصة، تتلاءم مع كل خصوصية كل لحظة نعيشها في هذه الأيام".

ويحاول المقوسي مثلاً رسم "رائحة الشهداء"، فالفكرة تبدو غريبة، الرسم يدرك بالحس والعين، وربما باللمس، لكن كيف ستدرك الرائحة في اللوحة، هنا تأتي اللحظة واللون، والحب والانتماء والعلاقة مع المكان والزمان بماضيه وحاضره ومستقبله.

ويذكر أن المقوسي مواليد غزة عام 1971، والده مدرس الفن معلمه الأول الذي شجعه وعلمه الخط العربي والرسم و الأن  حتى أصبح فنان بصري ومصور ُحر، و يعمل مدرساً ومنشطاً للفنون في مدارس ذوي الاعاقة السمعية، وعضو مؤسس لمحترف ومجموعة شبابيك للفن المعاصر غزة.

ورشات فنية

وفي مراكز الايواء يقيم الورشات الفنية للأطفال والفتيان والتي من خلالها يستطيع الأطفال اللعب الترفيه، وعمل ايضاً مع الامهات، "وكانت من اصعب الورشات بحياتي، الامهات ترسم وتبكي وكنت ابكي معهم رسموا احلامهم ومستقبلهم، ورسموا خوفهم والكوابيس التي تلاحقهم". 

ويرى أن هذا ليس فقط دور الفنان، "الفنان اول من يقاوم وآخر من ينهزم، فرسوماتي وأعمالي الفنية ليست لوحات ولا أعمال فنية نرسمها ليقتنيها أو يشاهدها المهتمين بالفن، هي قطع من أجسادنا تناثرت مع الشظايا في كل لحظة قصف مصحوب بأكثر الأصوات إزعاجاً، خارجة من فوهات المدافع والصواريخ الساقطة من السماء على بيوتنا فتتناثر أجسادنا معها. هي صرخاتنا التي تخرج وتجرح حناجرنا، هي بفحم وحبر وألوان شكلتها دماؤنا، هي الخوف من الموت، من الفقد، من المجهول ككل إنسان"، وفق قوله.

من بداية الحرب ومن اللحظات الأولى قرر استكمال مسيرته، خاصة أنه يعمل مدرس لأطفال الصُم، ويعمل الكثير من الورشات مع الأطفال وحتي يحافظ على إنسانيته وانسانيتهم خاصة عندما يشاهدهم يجمعون الحطب وعلى طوابير المخابز والمياه، مستكملا: "هذا ليس مكانهم كنت اجمعهم ونرسم مع بعض شجعني اصدقائي خارج غزة وفي كل يوم عن يوم بزيادة المجازر والابادة الجماعية الذي نتعرض لها كان يزيد اصراري لاستكمال ما بدأت به وحتي اللحظة هذه".

20358794911710420497.jpg
 

يدرك المقدسي أن لكل عمل فني طريقة بالتعبير عنه وتوصيل الفكرة للجمهور وكذلك لكل فنان طريقة خاصة لتوصيل أفكاره وتضامنه ومعاناته، "فارسم لأحاول البقاء إنساناً مستيقظاً وحساساً حتي لا تزيل الحرب انسانيتي".

وأصعب العقبات هي المخاطرة بروحه وأرواح الأطفال، واحتياجاته من ألوان ولوحات أصبحت بأسعار خيالية هذا ان توفرت على الرغم انها موجودة ولم يستوردها التجار اثناء الحرب ولكن الذين يعملون بالمؤسسات الدولية يشترون اكبر قدر ممكن من الأدوات والاحتياجات فقط لرفع اسماء مؤسساتهم ونشر الصور والعمل بالأنشطة بدون أشخاص متخصصين.

وعند نزوحه يحمل في حقيبته ألوانه، وخلال تجوله في شوارع مدينة خان يونس التي نزح إليها وبين خيام النازحين، كان يشاهد الأطفال ويصورهم في الشوارع وعند طوابير المخابز وهم يحملون جالونات الماء ويجمعون الورق والكرتون والحطب لتستطيع امهاتهم طهي الطعام لهم على النار، فهذه ليست حياتهم قبل 7 اكتوبر فقد أصبحوا أكبر بكثير من أعمارهم الطبيعية.

ويوضح المقوسي أن هذه المشاهد كانت تستفزه وتستفز الفنان بداخله، ولكي يحافظ على انسانيته وإنسانيتهم يجمعهم ويلعب معهم وينفذ معهم ورشات رسم مطلقاً عليها #اقامات_فنية في كل الأماكن الذي تنقل بها في هذه الحرب البشعة والإبادة الجماعية مثلا في خانيونس ورفح والأن دير البلح.

120891371710420492.jpg