فلسطين أون لاين

في ذكرى مجزرة مستشفى المعمداني في غزة

...
في ذكرى مجزرة مستشفى المعمداني في غزة
د. فايز أبو شمالة

كانت مجزرة مستشفى المعمداني في غزة، هي المجزرة الرهيبة الأولى التي اقترفها العدو الإسرائيلي في حرب الإبادة التي يشنها ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فقبل سنة من هذا التاريخ تساقطت الصواريخ الإسرائيلية على المدنيين المرض والأصحاء الذين احتموا بالمستشفى المعمداني، وراح ضحية المجزرة أكثر من 500 شهيد، خلافاً لعدة مئات من الجرحى، في مجزرة زعزعت النفوس البشرية، وأثارة غضب المجتمع الدولي، وحركت المنظمات الحقوقية والإنسانية لشجب المجزرة، وإدانة فعل الإجرام، بل وصل الأمر أن أدانت أمريكا ودول أوروبا المجازر بحق المدنيين.

وكالعادة، تبرأ العدو الإسرائيلي من المجزرة، واتهم التنظيمات الفلسطينية بالمسؤولية عن قصف المدنيين، وادعى أنه يحقق في حيثيات المجزرة، وأنه يدين مثل هذه الجرائم التي تتنافي مع الأعراف الإنسانية.

وطوت الوقائع على أرض غزة دماء مجزرة مستشفى المعمداني في كتب التاريخ، ونجا العدو الإسرائيلي من العقاب، ونجا من المسائلة، ليقترف بعد ذلك عدة مجازر، دون أني يمسه الخوف أو القلق من المحاسبة، فكانت مجزرة النصيرات ومجزرة المواصي في خان يونس، ومجزرة البركسات في رفح، ومجزر الشجاعية، ومجزرة مسجد التابعين في غزة، ولم تكن آخر المجازر مجزرة مستشفى شهداء الأقصى، حين حرق الجيش الإسرائيلي خيام النازحين بأطفالها ونسائها وهم أحياء.

وكي نقف أمام الحقائق، فإن المجازر الإسرائيلية المتعاقبة بحق الشعب الفلسطيني قد نالت التشجيع من الواقع الفلسطيني، حين عجز النظام السياسي الفلسطيني عن اتخاذ أي موقف صارم وحازم ضد جرائم العدو الإسرائيلي، حيث ظلت الحياة السياسية الفلسطينية الرسمية تسير على هديها، دون أن تحدث أي شقوق في العلاقة القائمة مع قيادة السلطة الفلسطينية والإسرائيليين، ونالت المجازر الإسرائيلية التشجيع من الصمت العربي الرسمي، الذي اقتصر على بيانات الإدانة والشجب، دون أن يتخذ أي موقف عملي يوجع الإسرائيليين، ونالت المجازر الإسرائيلية التشجيع من عدم المبالاة في أوساط الشعوب العربية، التي لم تربك الحسابات الإسرائيلية، ولم توجع بغضها حلفائهم الأمريكيين، ونالت المجازر الإسرائيلية التشجيع من المجتمعات الدولية التي لم ترتق برفضها للمذابح بحق المدنيين إلى مستوى الشعارات الحقوقية والإنسانية المرفوعة.

وحتى يومنا هذا، لما يزل العدو الإسرائيلي في مأمن من خطر الملاحقة والمحاسبة، وأنه استطاع التملص حتى اليوم من قرارات محكمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية، وأن بإمكان جيشه أن يمارس المزيد من حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ولبنان معاً، دون أن يتعرض لمجرد التلويح بفرض العقوبات الدولية، أو التلويح بقطع العلاقات الدبلوماسية، أو التلويح بقطع المساعدات العسكرية التي يقدمها الغرب، ليقتل بها الشعب الفلسطيني.

وإلى أن تصحو الشعوب العربية إلى المستقبل المظلم الذي ينتظرها، وإلى أن تفيق شعوب الأرض على الواقع الذي يهدد إنسانيتها، على الشعب الفلسطيني أن يواصل معركة التصدي للعدوان بما امتلك من قوة إيمان بحقه، وبما لديه من إصرار على مواصلة الحياة رغم بعبع الموت الذي يحمله الإسرائيليون، وعلى الشعب الفلسطيني أن يبادر إلى آلية عمل مقاوم يوجع الإسرائيليين في مأمنهم، ويربك حساباتهم الأمنية والسياسية.