فلسطين أون لاين

تقرير ناجيان يرويان كيف حُرِق نازحون أحياءً في "شهداء الأقصى"

...
ناجيان يرويان كيف حُرِق نازحون أحياءً في "شهداء الأقصى"
الوسطى - نبيل سنونو:

عند الواحدة والثلث بعد منتصف الليل، وبينما غط مئات النازحين في النوم داخل خيام معظمها مهترئة بمستشفى شهداء الأقصى وسط دير البلح باغتتهم غارة إسرائيلية أدت إلى إحراق عدد منهم بدرجات متفاوتة، وحولت نحو 30 خيمة إلى أثر بعد عين.

كانت تلك فاجعة جديدة في 14 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، لاحقت هؤلاء النازحين المنهكين الذين شردتهم جرائم قوات الاحتلال من منازلهم، في إطار حرب الإبادة الجماعية المستمرة منذ أكثر من عام.

ولا يزال هول المصيبة ماثلا أمام عيني النازح عوني خطاب البالغ (57 عاما)، الذي يقف وسط ساحة من الخراب تسببت به الغارة، قائلا لـ"فلسطين أون لاين"، إنه في حياته لم ير مشاهد قاسية كتلك التي رآها عقب وقوع الغارة.

يتوسط النازح الساحة التي تعرضت للقصف وقد تحولت إلى لوحة شاحبة بما فيها من آثار الخيام والملابس وبعض مقتنيات النازحين، الذين عاد بعضهم إلى المكان نفسه باحثا عن سبل الحياة بلا حول منه ولا قوة.

يروي خطاب الذي يمكث في خيمة مع زوجته وأبنائه، أنه سمع صوت انفجار مفاجئ وسرعان ما شاهد أشخاصا اشتعلت بهم النيران.

يضيف: رأيت مواطنا تشتعل به النار ولم يكن قادرا على الحديث، ويستخدم الإشارة مع شدة الحرارة، ولم يكن بمقدورنا إنقاذه.

يمسك خطاب دمعة كادت أن تذرفها عيناه، متابعا: إنه لأمر محزن أن ترى شخصا في النار ولا تتمكن من مساعدته.


photo_2024-10-16_16-58-40 (2).jpg
 

ولم تسلم حتى النساء والأطفال من هذه الجريمة، إذ يقول خطاب، إنه شاهد فتاة اشتعلت بها النيران في الجزء السفلي من الجسد، وألقى عليها نازحون بطانية في محاولة لإخماد النار، وحالات حروق بين أطفال.

يصف هذه المشاهد بأنها الأقسى على مدار سني حياته.

وأحاطت بذلك حالة من الخوف والهلع بين النازحين، بينما كانت النيران تمتد إلى خيمة بعد أخرى بسبب القصف، وفق إفادته.

ونجا خطاب وأسرته المكونة من 10 أفراد من النيران التي أصابت خيمتهم، حيث تمكنوا من مغادرتها قبل احتراقها بالكامل.

ويقدر عدد الخيام المحترقة بنحو 30 خيمة بات من نجا من أصحابها بلا مأوى.

واستشهد من جراء الغارة التي استهدفت خيام نازحين في المستشفى ثلاثة مواطنين وأصيب 40 آخرون، بحسب الإعلام الحكومي في غزة.

ويفيد خطاب بأن هذه هو الاستهداف السابع داخل المستشفى خلال الأشهر الماضية.

ومع نزوح مئات الآلاف من المواطنين إلى دير البلح وسط القطاع بفعل العدوان المستمر تزايدت الأعباء الملقاة على مستشفى شهداء الأقصى التي لم تسلم هي الأخرى من القصف في داخلها ومحيطها.

وقبل نزوحه إلى أحد ساحات مستشفى شهداء الأقصى كان خطاب يقطن في بيته المكون من ثلاثة طوابق ببلدة وادي السلقا جنوب غرب دير البلح.

لكنه أجبر على النزوح مع أسرته في نوفمبر/تشرين الثاني تحت النيران الكثيفة التي أطلقتها طائرات الاحتلال، قبل تدمير منزله ومزرعة دجاج كان يعتاش منها مع أبنائه.

كما أن الابن البكر لخطاب استشهد سابقا في دير البلح بقصف نفذته طائرات الاحتلال، وباتت أرملته تعاني مع أطفالها الثلاثة مأساة الفقد.

نيران هائلة

ليس بعيدا عنه يكتوي الشاب عبد الناصر مصلح وأسرته بألم ما عايشه من أحداث مفجعة.

يقول مصلح الذي يقيم خيمة لأسرته في المنطقة المنكوبة لـ"فلسطين أون لاين": إنه سمع صوت انفجار أعقبته انفجارات متتالية أصابت العشرات من خيام النازحين.

ويوضح أن معظم الإصابات عانت من الحرق وأخرى من الشظايا، واصفا النيران الناجمة عن القصف بأنها هائلة "وصل ارتفاعها 17 مترا".

photo_2024-10-16_16-58-40.jpg

ولجأ مصلح وزوجته وأولاده وأخواته إلى "شهداء الأقصى" نازحين من مستشفى القدس في تل الهوا بمدينة غزة قبل نحو عام ظنا منه أنها ستكون مكانا آمنا محميا وفق القوانين الدولية، لكن الاحتلال استباح كل شيء.

وهذه ليست سوى حلقة في سلسلة من المعاناة تعرض لها مصلح، إذ إن والده أصيب سابقا بقصف ألحق به شللا رباعيا، كما أن شقيقته نجت بأعجوبة من الموت، وتعرضت لإصابات بالغة.

ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 استشهد 42,289 مواطنا وأصيب 98,684 آخرين، وفق معطيات وزارة الصحة.

ويتعين الآن على خطاب ومصلح ومعهما النازحون الناجون البحث من جديد عن مأوى لأسرهم المكلومة من النزوح المستمر وتداعيات حرب الإبادة، لكن جراح ذوي الشهداء والمصابين تبقى نازفة وسط صمت دولي مطبق.