فلسطين أون لاين

الأسرى الإسرائيليون في غزة عنوان الفشل

...
الأسرى الإسرائيليون في غزة عنوان الفشل
د. فايز أبو شمالة

بعد سنة من معركة طوفان الأقصى، ما زالت المقاومة الفلسطينية تحتفظ بعشرات الجنود والضباط الإسرائيليين الأسرى داخل قطاع غزة، وهذا الإعجاز المقاوم يمثل أكاديمية ثورية، ويعد عملاً إبداعياً سرياً، أوقف الجيش الإسرائيلي عاجزاً وحائراً ومتسائلاً: أين يختفي هؤلاء الجنود الضباط الأسرى، وقد اقتحم الجيش الإسرائيلي كل مكان في قطاع غزة، وفتش في غرف النوم، وفي الحمامات، وبعد أن كثف من غاراته وطلعاته الجوية، وبعد كل أنواع التجسس والبحث التكنولوجي، ليتجسد الفشل الإسرائيلي على هيئة الإعجاز والبلاغة العسكرية الفلسطينية، التي صنعت من غزة ـ هذه البقعة الجغرافية الصغيرة، والخالية من الصخور والجبال، والمجردة من الهضاب، وعديمة الغابات الكثيفة والأنهار، بقعة جغرافية ساحلية مسطحة ومكشوفة لكل أنواع التجسس الغربي والطائرات المسيرة الحديثة ـ بقعة جغرافية تعجز جيوش حلف الناتو عن اكتشاف سر غزة، ومعرفة المكان الذي يختفي فيه عشرات الجنود والضباط الإسرائيليين الأسرى.

اختفاء عشرات الجنود والضباط الإسرائيليين داخل أنفاق غزة إشارة إلى أن هذه الأنفاق التي صنعها شباب المقاومة أضحت قوة تكنولوجية تتفوق على كل أنواع التكنولوجيا الغربية، والانفاق قوة عسكرية هزمت كل القوى العسكرية المتحالفة مع الصهيونية، والأنفاق قوة أمنية هزمت الأمن الإسرائيلي، والأنفاق إبداع فلسطيني، أثبت قدراته وجدواه، ويؤكد أن الجيش الصهيوني الذي عجز عن اكتشاف أماكن جنوده وضباطه الأسرى، فهو بلا شك أعجز عن القضاء على المقاومة الفلسطينية في غزة، وهو أعجز عن العثور على أي من الشخصيات القيادية التي تدير عمليات المقاومة على مدار الساعة ضد جيش العدو، وقد أمسى جل همه أن يدافع عن جنوده على محور وادي غزة، ومحور صلاح الدين، كما اعترف بذلك قادة جيش العدو.

نجاح المقاومة في الاحتفاظ بعشرات الجنود والضباط الإسرائيليين أسرى داخل أنفاق غزة، لا يمكن فصلة عن نجاح المقاومة في مفاجئة العدو عشية السابع من أكتوبر، فالمقاومة الفلسطينية التي نظفت جسدها وروحها من العملاء، وطهرت نفسها من كل مرتبط معه العدو، هذه المقاومة التي فاجأت العدو في السابع من أكتوبر، تفاجئ الجيش الإسرائيلي ثانية، وهي تتركه حائراً في مدن ومخيمات قطاع غزة، يفتش عن أسراه دون جدوى، وهذا دليل نصر للمقاومة الفلسطينية، رغم كل ما انصب على رأس غزة من صواريخ أمريكية، فالنتيجة الساطعة هي هزيمة ميدانية وأمنية للجيش الإسرائيلي الذي ظن أنه لا يقهر، ولم يخطر في عقيدته القتالية أن يخرج عليه أبطال غزة، ويزلزلوا قدراته، ويفسدوا عليه الاستقرار الأمني، والشعور بالقوة لتغيير معالم الشرق الأوسط.

نجاح العدو الإسرائيلي في استرجاع بعض أسره أحياء في بعض الأحيان، لا يعني نجاح العدو في حل لغز الأنفاق، بمقدار ما يعني إخفاق رجال المقاومة في تضميد جرح المرحلة، وما ترافق من تسرع واجتهاد شخصي من البعص خلال أسر الجنود والضباط الإسرائيليين، ولكن التجربة الفلسطينية في أسر جنود وضباط العدو دللت على قدرة الفلسطيني على تجاوز الأخطاء، ومعالجة أسباب الفشل، والاستفادة من الإخفاق، في تعزيز السرية، وضبط إيقاع المقاومة بشكل فرض على الجيش الإسرائيلي الاستسلام في هذا الشأن، ولاسيما بعد نجاحه في استرجاع بعض جنوده وضباطه الأسرى جثثاً وقتلى، وهذا الذي ارتد على العدو بالمزيد من الفشل، وعرّضه للانتقاد الداخلي، ولاسيما بعد أن تنكرت القيادة الإسرائيلية للعهد الذي قطعته للجنود، بعدم تركهم في ساحة المعركة قتلى أو جرحى أو أسرى، فجاءت غزة، لتفرض على الجيش الإسرائيلي أن يخون عهده مع جنوده، وأن يتخلى عنهم في ساحة المعارك، قتلى وجرحى وأسرى، وفي ذلك اهتزاز لثقة الجنود بقدرات الجيش، وفقدان الجنود للدافعية في مواصلة القتال في صفوف جيش يتخلى عنهم  مع قسوة المعارك.