ما تواجهه القضية الفلسطينية من تحديات خطيرة، وعقبات جسام يحتم على الجميع إنهاء هذا الانقسام، والسير قدمًا في ركب المصالحة الوطنية، في ظل مواصلة الحكومة الصهيونية تهويد الأرض الفلسطينية، وسرقة الآلاف من الدونمات وتحويلها إلى مستوطنات، ووسط مواصلة مخططات التهويد بحق المقدسات الفلسطينية؛ فعلى مدار عشر سنوات فعلت الحكومة الصهيونية الأفاعيل في أرضنا المباركة، ونفذت المئات من مخططات التهويد الاستيطانية، ونفذت مشاريع استيطانية كبرى، ويزداد سنويًّا تعداد المستوطنين في الضفة المحتلة والقدس، فوصل عددهم إلى (700 ألف) مستوطن، وتتواصل الهجرات الصهيونية إلى أرض فلسطين، ويوميًّا يقتحم القدس والمسجد الأقصى قطعان المستوطنين، تحت حراسات مشددة من شرطة الاحتلال.
إن الكيان الصهيوني يرى في إنهاء الانقسام واتفاق المصالحة خطرًا على مشاريع الاستيطان وجرائم سرقة الأرض والآثار، فالكيان يطالب بالدرجة الأولى بسحب سلاح المقاومة، ووقف مواصلة تطوير قدرات المقاومة، ووقف حفر حركة حماس للأنفاق، ومنع العمليات الفدائية في الضفة والقدس، هذه المطالب الصهيونية وغيرها يشترطها الكيان حتى يرضى عن المصالحة، لكن يبدو أن الكيان لا يعرف أن سلاح المقاومة خط أحمر عند الجميع، ولا يمكن بأي حال من الأحوال التفاوض على هذا السلاح الذي يحمي الأرض والإنسان الفلسطينيين من بطش الاحتلال، وهو الطريق الوحيد إلى تحرير أرض فلسطين.
أعلن رئيس الوزراء الصهيوني (نتنياهو) موقفه من المصالحة، وشروط الكيان تتمثل في الاعتراف بما يسمى دولة (إسرائيل)، وحل الجناح العسكري لحركة حماس كتائب القسام، وقطع علاقات حماس مع إيران، وطالب رئيس حزب البيت اليهود ووزير التربية والتعليم في حكومة الاحتلال "نفتالي بينيت" بإعادة تحديد العلاقة المالية مع سلطة أوسلو ومنع عائدات الضرائب عنها، وأعدت الصحيفة العبرية الأكثر انتشارًا في الكيان صحيفة (هآرتس) تقريرًا موسعًا تحدثت فيه عن المصالحة الفلسطينية، وأكدت الصحيفة أن الكيان يرى المصالحة الفلسطينية أمرًا محفوفًا بالمخاطر، واستبعد عدد من المسؤولين الصهاينة توصل الفلسطينيين إلى اتفاق مصالحة وتسوية شاملة لجميع القضايا، خاصة النقاط الأكثر تعقيدًا التي تتمثل في الملفات الأمنية ومستقبل سلاح حماس في قطاع غزة.
وبحسب تقرير صحيفة (هآرتس) يعتقد المسؤولون الصهاينة أن الأطراف الفلسطينية قد لا تتوصل في نهاية المطاف إلا إلى مصالحة محدودة، ومن المتوقع أن تفضي إلى وجود رمزي للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة، علاوة على إلغاء العقوبات التي فرضتها حكومة فتح على غزة في الربيع الماضي.
وأبدى المراقبون والمحللون العسكريون في الكيان تخوفهم من اتفاق المصالحة، كون الاتفاق لم يتناول سلاح المقاومة الفلسطينية، وأنفاق حماس، ومصانع السلاح لدى كتائب القسام، يقول المحلل العسكري في صحيفة (يديعوت أحرونوت) ألكس فيشمان: "إن محادثات القاهرة أبقت بأيدي حماس الأنفاق والمختبرات ومصانع السلاح والطائرات دون طيار وكتائب عز الدين القسام والكوماندوس البحري، وعمليًّا بقيت الذراع العسكرية لحماس كما كانت تحت قيادة مباشرة وحصرية لحماس"، وسبب آخر يجعل اتفاق المصالحة عرضة للفشل حسب رأي المحلل (فيشمان)، يقول: "إن (إسرائيل) لا تحصل بالمقابل على أي إنجاز مضمون على شكل اعتراف حماس بـ(إسرائيل)، أو تعهد بوقف أعمال العنف".
جل المراقبين في الكيان الصهيوني يجمعون على أن سلاح كتائب القسام هو المشكلة الرئيسة من وجهة النظر الإسرائيلية، وتحدث (ألون بن ديفيد) المحلل في صحيفة (معاريف) العبرية أن حركة حماس ستمنح السلطة الفلسطينية الحكم المدني، وستحتفظ بالسيطرة الأمنية في غزة.
إن المواقف الصهيونية الضبابية الصادرة عن المسؤولين في الكيان لا ترى المصالحة تحقق أهدافها، بل تراها خطرًا وشرًّا على الكيان، الذي ينتظر تطبيق الاتفاق على الأرض لوضع العراقيل أمام المصالحة: الكثير من القضايا، وعلى رأسها مواصلة حصار غزة وتشديد الخناق على الغزيين، وسيلعب الكيان على الكثير من القضايا لإعاقة تنفيذ اتفاق المصالحة بين الطرفين، وسيركز هدفه على ضرورة العمل على سحب سلاح المقاومة، ووقف العمليات الفدائية في الضفة الغربية والقدس.
ويرى كاتب المقال أن الكيان الصهيوني قلق ومتوجس من اتفاق المصالحة بين الأشقاء الفلسطينيين، ويسعى دومًا إلى بث الفرقة والنزاع بين الفلسطينيين، وهو يدرك تمامًا أن المصالحة الفلسطينية ووحدة شعبنا تهددان وجود الكيان، وتهددان مخططات التهويد والاستيطان، لذا يجب على الكل الفلسطيني السير قدمًا في المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام دون رجعة، والتوحد خلف الثوابت والمبادئ الفلسطينية، للانطلاق في مشروعنا الأساسي المتمثل في تحرير أرضنا من دنس المحتلين، وإقامة دولتنا الفلسطينية، وعاصمتها القدس.