اشترطت حكومة الاحتلال الإسرائيلي، أمس، نزع سلاح حركة المقاومة الإسلامية حماس واعتراف الحركة بـ(إسرائيل) واستعادة الجنود من غزة، للعودة إلى المفاوضات في ظل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية المرتقبة، ضمن 7 شروط وضعتها للموافقة على مخرجات المصالحة الفلسطينية، الأمر الذي رفضته حماس والرئاسة الفلسطينية اللتين أكدتا الاستمرار في تطبيق اتفاق المصالحة الداخلية، وإنهاء الانقسام.
وقال بيان صادر عن مكتب رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو: إن "وزراء الكابينت اتخذوا بالإجماع قرارًا يمنع إجراء أي مفاوضات مع الفلسطينيين، دون نزع سلاح حماس، واعترافها بـ(إسرائيل)، والتزامها بشروط (اللجنة) الرباعية الدولية، وإعادة الجنود الإسرائيليين المحتجزين في غزة، ومنح السيطرة الكاملة للسلطة الفلسطينية على غزة، بما في ذلك المعابر".
كما اشترطت حكومة الاحتلال "منع التهريب من وإلى غزة"، وأن "تواصل السلطة الفلسطينية إحباط البنية التحتية لحماس" في الضفة، و"وقف حماس علاقاتها بإيران"، وأن "تكون الإمدادات الإنسانية لغزة عبر السلطة الشرعية فقط، وفق آليات واضحة ومحددة".
وشدد البيان الإسرائيلي على أن الحكومة "لن تجري مفاوضات مع حكومة فلسطينية تشارك فيها حماس، وهي منظمة إرهابية تدعو إلى تدمير (إسرائيل)"، على حد تعبيره.
وذكر موقع صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية أن هذه الشروط جاءت ردًا على أن اتفاق حركتي "حماس" و"فتح"، على إنهاء الانقسام، لم يتطرق إلى نزع سلاح "حماس".
وقال مسؤولون إسرائيليون لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، اليوم: إن نتنياهو أبلغ اجتماع "الكابينت" بأن (إسرائيل) لن تعترف باتفاق المصالحة الفلسطيني، لكنها لن تقطع علاقاتها مع السلطة الفلسطينية بسببه.
تدخل مرفوض
وفي تعليق على شروط الإسرائيلي، رد الناطق الرسمي باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة، بالتأكيد على أن المصالحة الوطنية مصلحة فلسطينية عليا، وقال إن موقف رئيس السلطة محمود عباس، هو المضي قدمًا فيها تحقيقًا لآمال وتطلعات شعبنا بالوحدة والاستقلال.
وأضاف أبو ردينة في تصريح أوردته وكالة "وفا" التابعة للسلطة: "إن ما اتفق عليه في القاهرة، برعاية مصرية، يسير في الاتجاه الصحيح باتجاه إنهاء الانقسام، وإن أي ملاحظات إسرائيلية لن تغير من الموقف الرسمي الفلسطيني بالمضي قدمًا فيها".
وتابع أنه سبق وشكلنا حكومة وحدة وطنية وحكومة وفاق وطني، ولم يكن لأي اعتبارات خارجية أي تأثير؛ لأن قيادة السلطة مؤمنة بالوحدة الوطنية وبمصالح شعبها.
بدورها، قالت حركة حماس: إن شروط الاحتلال على المصالحة تدخل إسرائيلي مرفوض في الشأن الفلسطيني، يجب أن يواجه بإنجاز المصالحة.
وطالب الناطق باسم حماس فوزي برهوم في تصريح صحفي مساء أمس، الكل الفلسطيني بكل مستوياته، بعدم التماهي أو الاستجابة لهذه التدخلات الإسرائيلية السافرة.
وشدد برهوم على أن الرد على حكومة الاحتلال يجب أن يكون بالاستمرار في تمتين الجبهة الداخلية الفلسطينية، وإنجاز المصالحة الفلسطينية.
ووقعت حركتا "فتح" و"حماس"، في 12 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، في العاصمة المصرية القاهرة، على اتفاق المصالحة، والذي ينص على تمكين الحكومة من ممارسة مهامها والقيام بمسؤولياتها الكاملة، في إدارة شؤون قطاع غزة، كما في الضفة الغربية، بحد أقصاه الأول من ديسمبر/كانون الأول المقبل.
استكمال المصالحة
وفي السياق، رأى مختصون في الشأن الإسرائيلي، أن الشروط الإسرائيلية تعكس رغبة بوضع "فيتو" على إتمام المصالحة الفلسطينية، مشيرين إلى أن ذلك يتطلب موقفًا حاسمًا من السلطة بضرورة استكمال خطواتها نحو إنهاء الانقسام، وعدم "الالتفات" لهذه التصريحات.
الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي علاء الريماوي، رأى أن الاحتلال يسعى لتفكيك المجتمع الفلسطيني "لذلك يجب على السلطة أن تتحدى هذه الإجراءات والمُضي نحو إنهاء الانقسام".
وقال الريماوي في حديث مع صحيفة "فلسطين"، إنه "يجب على السلطة ألا تعيش على أوهام (إسرائيل)، بإقامة دولة فلسطينية دون غزة".
وأضاف أن الفرصة الآن مواتية لإتمام المصالحة، وعلى رئيس السلطة محمود عباس أن يستثمرها ويتعاطى معها لتوحيد الجهود في مواجهة المشروع الإسرائيلي.
واستبعد المختص في الشأن الإسرائيلي، أن يعرقل الموقف الإسرائيلي من سير المصالحة في حال توافرت الإرادة السياسية لدى السلطة، والمُضي قدمًا نحو إنهاء الانقسام، مضيفًا: "إذا قبلت السلطة بشروط الاحتلال فإنها لا تمثل المجتمع الفلسطيني"، وفق رأيه.
وهو ما أيده المختص في الشأن الإسرائيلي د. مأمون أبو عامر، الذي رأى أن (إسرائيل) لن تعمل على تقويض المصالحة بشكل مباشر نظرًا لتدخل مصر فيها، وهي لا تريد عرقلة علاقتها معها.
وأوضح أبو عامر لـ"فلسطين"، أن (إسرائيل) تعيش في مرحلة حساسة، لأنها لا تريد أن تُظهر الخصومة والعداء مع مصر، والولايات المتحدة الأمريكية.
رسائل موجهة
ومن الواضح أن (إسرائيل) تريد من خلال هذه التصريحات وعقد الاجتماعات المكوكية، لمناقشة مجريات المصالحة الفلسطينية، توجيه عدة رسائل إلى عدة أطراف دولية وإقليمية، وفق أبو عامر.
أولى هذه الرسائل كانت موجهة لليمين الإسرائيلي الذي يرفض المصالحة، وهو ما فسره أبو عامر أنه مبني على موقف أيديولوجي، بأن المصالحة تعني رفض أي مشروع سياسي، ويعني أنها مستمرة في سياستها للسيطرة على الضفة، وهو ما يشكّل رفض حدود الدولة الفلسطينية بجانب (إسرائيل).
الرسالة الثانية كانت موجهة للولايات المتحدة ومصر، ومفادها "أنه رغم رفضنا للمصالحة، إلا أننا لم نتخذ أي إجراءات ضدها، تعيق خطواتها، لكنها لن تكون على حساب المصالح الإسرائيلية".
أما الرسالة الثالثة كانت للسلطة وتنص على أن (إسرائيل) لديها محاذير وعلى السلطة الانتباه خلال تعاملها مع حماس، واتخاذ أي إجراءات تضر بالمصالح الإسرائيلية.
ويفسر ذلك أبو عامر، أن (إسرائيل) ستتدخل ويكون لها موقف آخر في حال اتخذت السلطة أي إجراء يضر بمصالحها، وفق قوله.
وأخيرًا الرسالة الرابعة كانت لحركة حماس في غزة، مفادها "أن إسرائيل منتبهة ولن تقبل أن تكون حماس كنموذج حزب الله في لبنان"، حسب أبو عامر.
ويتوقّع أبو عامر، أن يكون تباطؤ السلطة في اتخاذ خطوات عملية في اتجاه تطبيق المصالحة حتى اللحظة، استجابة لضغوط إسرائيلية.
من جهته، المختص في الشأن الإسرائيلي حاتم أبو زايدة، رأى أن تصريحات نتنياهو تدلل على أنه يرفض المصالحة من الناحية النظرية، كونها لن تؤدي إلى نزع سلاح المقاومة.
واستبعد أبو زايدة خلال حديثه مع "فلسطين"، أن ترفض (إسرائيل) المصالحة من الناحية العملية، وأنها ستتعامل مع إفرازات هذه المصالحة على أرض الواقع.
وقال: "إن (إسرائيل) لن تقف حجر عثرة أمام المصالح، نظرًا لوجود رغبة أمريكية وجهد مصري واضح، إضافة إلى وجود رؤى ومخططات دولية وإقليمية لتحفيز عملية السلام وصولًا إلى مؤتمر إقليمي" وفق تعبيره.
وأوضح أن نتنياهو لن يمنع الرؤية الأمريكية الجديدة التي تقتضي توحيد الموقف الفلسطيني، حتى يذهب "أبو مازن" إلى طاولة المفاوضات وهو يتحدث باسم الشعب الفلسطيني وليس جزءًا منه.
وأشار أبو زايدة إلى وجود أولويات لدى (إسرائيل) تتعلق بالنفوذ الإيراني وقصف المناطق في سوريا وحزب الله في لبنان، أكثر من عرقلة عملية المصالحة.