لا يمكن الانتصار على غزة، ولا يمكن القضاء على حركة حماس، لأن حماس فكرة، ولا يمكن القضاء على الفكرة، هذا التصريح الذي صدر عن الناطق العسكري للجيش الإسرائيلي لا يعكس الخلاف البائن بين مؤسسة الجيش الإسرائيلي، والمستوى السياسي، وإنما يعكس مشهد الهزيمة الفاقعة، التي حطت على ظهر الجيش الإسرائيلي، بعد فشله الذريع في تحقيق أهداف الحرب التي أعلن عنها المستوى السياسي.
تصريح الناطق العسكري للجيش الإسرائيلي يؤكد أن الحرب على غزة قد انتهت عملياً، وأن الطريق الوحيد لإخراج الجيش الإسرائيلي من وحل غزة، هو التوقيع على صفقة تبادل أسرى، ووفق الشروط التي حددتها المقاومة؛ بدءاً بالانسحاب الكامل من قطاع غزة، ووقف إطلاق النار النهائي، مع تنفيذ صفقة تبادل أسرى، شرط البدء في إعمار غزة، مع ضمانة دولية وإقليمية لاتفاقية وقف إطلاق النار.
ورغم الاعتراف الجلي للناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، وحديثه عن استحالة القضاء على حركة حماس، لما يزل المستوى السياسي في دولة الكيان الصهيوني يطالب الجيش بالقضاء على حركة حماس، وتحقيق الانتصار الحاسم، رغم إقرار القيادة العسكرية بعجز الجيش عن تحقيق تلك الأهداف بعد تسعة أشهر من الإبادة الجماعية، ومن تدمير غزة بالكامل، وبعد ذبح مئة وأربعين ألف مدني من أهل غزة، تركهم الصهاينة يئنون بين شهيد وجريح ومفقود.
لقد أدرك الجيش الإسرائيلي أن القضاء على حركة حماس يعني القضاء على الشعب الفلسطيني، لأن حركة حماس جزء من حركات المقاومة، والمقاومة الفلسطينية للعدو الإسرائيلي عقيدة بالنسبة للشعب الفلسطيني، وانتماء صادق للوطن، والمقاومة هي الطريق الوحيد الذي يفضي إلى القضاء على المحتلين، وتحرير أرض فلسطين، ولاسيما بعد أن اصطدمت القيادة الفلسطينية في رام الله بحائط الصد الإسرائيلي، الذي يرفض الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني من خلال المفاوضات، وحتى أنه يرفض تطبيق ما تم التوصل إليه من اتفاقيات سابقة، تم التوقيع عليها منذ ثلاثين سنة.
اعتراف الناطق باسم الجيش الإسرائيلي بالحقائق العنيدة التي فرضها ميدان القتال، هذا الاعتراف لا يفضح عجز الجيش الإسرائيلي فقط، وإنما يفضح الحالة الأمنية المتدهورة للمجتمع الإسرائيلي، ويفضح حالة الترهل والضعف لدى المؤسسات الأمنية، ويفضح الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي، ويعمق الصراع بين الدولة العميقة والحكومة الإسرائيلية، وقد أظهر استطلاع الرأي الذي أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية حجم التحول في ثقة الإسرائيليين بجيشهم؛ فبعد شهر من معركة طوفان الأقصى في شهر 11/2023، كانت نسبة الإسرائيليين المتفائلين بانتصار حيشهم وانتهاء الحرب تصل إلى 65%
ولكن بعد تسعة أشهر من حرب الإبادة الجماعية، في شهر 6/2024، انخفضت نسبة اليهود المتفائلين بانتصار جيشهم إلى 30% فقط
وفي الاستطلاع الأخير الذي أجرته صحيفة معاريف، يطالب 28% من الإسرائيليين الانسحاب من محور صلاح الدين، مقابل صفقة تبادل أسرى
هذا الفارق الكبير في النسب سيرتد على مجمل السياسة الإسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية، وتجاه الشرق الأوسط بشكل عام.
بحيث لم تعد دولة العدو هي صاحبة اليد الطولي في الشرق الأوسط، ولم تعد دولة الاحتلال قادرة على إملاء سياستها على الأرض الفلسطينية، ولاسيما على أرض الضفة الغربية والقدس، والتي تشكل محور المواجهة والمقاومة في المرحلة القادمة، وهذا الذي يحتم على القيادة السياسية الفلسطينية، وعلى قيادة منظمة التحرير الفلسطينية أن تلتقط لحظة انعدام الثقة بالقدرات الإسرائيلية، لتتعاون مع رجال المقاومة في غزة للخروج من مأزق الانقسام، ومأزق غياب جزء ليس بالقليل من الشعب الفلسطيني عن ساحة القتال ضد العدو، وهذه خطوة سياسية ينتظرها الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية قبل غزة، لحظة وطنية فارقة، تعزز مضامين فرض الإرادة الفلسطينية على العدو، وتؤكد أن الضفة الغربية لن تحررها المفاوضات، واللقاءات العبثية، وإنما طوفان التضحيات والمواجهات واللقاءات الميدانية، التي ستوصل العدو الإسرائيلي إلى الحقيقة العنيدة، بأن المقاومة فكرة، فكرة التخلص من المحتلين، وفكرة العيش بكرامة بعيداً عن التنسيق والتعاون الأمني مع العدو.