أثارت هذه العبارة التي قالها سيدنا عمر رضي الله عنه لامرأة صرحت بكرهها لزوجها, وطالبها أن تكذب عليه وتخبره أنها تحبه, مصرحا أنه ليست كل البيوت تبنى على الحب, بل على الإسلام والإحسان, جدلاً كبيراً بين مريدي الحب والرومانسية، فكيف يكون ذلك صحيحا؟ والعالم كله يضج بقصص الحب وتتفنن وسائل الإعلام في بثها عبر كل وسائلها من خلال الأغاني والمسلسلات والأفلام والقصص والروايات.
أين الصواب فيما يبثه الإعلام الذي جعل طموح الشباب أن يعيشوا الحب ويبحثوا عنه ويؤمنوا أنه الأساس للعلاقات الزوجية ونيل السعادة؟ هل كان الشرع مجحفاً عندما حرم العلاقات الغرامية قبل الزواج؟ واكتفى بإرشادنا للظفر بذات الدين كزوجة وصاحب الأخلاق كزوج؟ وهل الحب قبل الزواج هو الذي يضمن نجاح العلاقة الزوجية واستمرارها؟ وهل الزيجات التقليدية دون تعارف مسبق فاشلة بينما التي بنيت على التعارف والحب أكثر نجاحا؟ كل هذه التساؤلات تطرح منذ قديم الأزل والإجابة عليها سهلة وبسيطة. إن الذي خلق الإنسان ووهبه العقل والقلب والمشاعر المختلفة هو الذي وضع له نهج العلاقات وحدودها.
هل يؤيد الغرب الزواج التقليدي؟
في دراسة جديدة أجراها الدكتور (سول جوردون) أستاذ علم الاجتماع الفرنسي تعد قاصمة للزواج الذي يقوم على الحب, أكد الخبير الفرنسي أن الزواج الذي يقوم على الحب فقط عبارة عن شرور ومشاكل، وأكد البحث الميداني الذي أجراه الدكتور أن 85% من الزيجات التي قامت على الحب كان مصيرها الفشل الذريع, وأعرب الدكتور جوردون عن تأييده لنظام الزواج التقليدي بقوله: إن الزيجات التي تقوم على العقل والاختيار التقليدي هي التي تنجح وتستمر. ويضيف: إن الاندفاع العاطفي قبل الزواج يوهم الشاب والفتاة بأن الحب يصنع المعجزات فلا يكترثان للتقارب الفكري ولا لحل المشكلات وتتجمد خبراتهما، بينما الزواج التقليدي يعمق الحوار ويجعله متنوعا ما بين مناقشة الأفكار والمشكلات ويمنح الزوجان القوة لتجاوز الأزمات بالعقل والتفكير.
كيف تبنى البيوت على الإسلام؟
الإسلام وضع أساساً للزواج لكل من الرجل والمرأة وهو الأخلاق والدين، وهذه الأسس هي السبيل لنجاح كل المؤسسات بما فيها المؤسسة الزوجية. فقد جعل الله للزوجين حقوق، وأمر الرجل والمرأة بأداء واجبات معينة وجعل لإهمالها عقوبة, وقد شملت هذه الواجبات الجانبين الحسي والمعنوي ولم تترك أمراً يهم العقل البشري إلا وتناولته، فإن قام الزوجان بواجباتهما التي نصت عليها الشرائع ومنح كل منهما الحقوق للآخر, حققا السعادة والسكينة والاستمرارية. فأي رجل تحترمه زوجته وتهتم به وتعينه على حوائج دينه ودنياه لا يتنامى في قلبه محبة لها؟ وأي امرأة يهتم بها زوجها ويحترمها ويكرمها ويدللها ويعينها لا تميل إليه بمشاعرها؟
إن الكائنات تميل لمن يهتم بها بشكل عام، بما فيها الحيوان والإنسان فما بال التي يقدم لها اهتمام نصت عليه الأديان؟
كيف يبني الإحسان البيوت؟
أما الإحسان للزوجة فهو أن يحسن إليها زوجها في كسوتها وطعامها، ومن الإحسان أيضا النظر إلى مزاياها وعدم التركيز على عيوبها والتغاضي عن الصغائر من أخطائها, وحسن الظن بها, وتلبية رغباتها بقدر الاستطاعة ودون إسراف.
وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يحسن لزوجته بكمال الإيمان وأفضل الخلق. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا، أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُهُمْ خِيَارُهُمْ لِنِسَائِهِمْ". هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ.
وبالإجابة على الأسئلة التي تدور في عقولنا جميعاً بقي أن نعي أن البيت الذي يبنى على الإسلام والإحسان بيت متين, أساسه متقن الصنع بحكمة الله ورحمته بعباده, وأن البيوت التي تبنى على الحب وأوهامه, هشة معرضة لاهتزازات الأيام بما تحمل من مشاكل وخلافات لا يستطيع الحب والرومانسية الوقوف في وجهها, أو التعامل معها, إذ تغيب الأبصار عند إشهار مرآة الحب العمياء.