عاد محمد خلدون (٤٧ عامًا) بخفي حُنين إلى خيمته في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، بعد أن جاب سوق المدينة طولًا وعرضًا بحثًا عن "حذاء" لطفله الصغير البالغ من العمر (١٣ عامًا) دون فائدة.
خلدون الذي كان تاجرًا كبيرًا في مجال الأقمشة وحوّلته الحرب إلى نازح، حاول العثور على حذاء لوضع نهاية لمعاناة طفله الذي يضطر للمشي حافيًا منذ عدة أشهر لكن دون جدوى.
ويمنع الاحتلال "الإسرائيلي" إدخال الأحذية أو أي شيء يتعلق بالملبس منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي.
وقال خلدون لموقع "فلسطين أون لاين": "أصبح طفلي كالمتسول بسبب عدم امتلاكه حذاء، فأينما يذهب يمشي حافيَ القدمين".
وأضاف: "في إحدى المرات أُصيب طفلي بجرح في قدمه بسبب مسمار كان في طريقه، الأمر الذي أدى إلى إصابته بالتسمم".
وأوضح خلدون أن ما يتوفر في السوق من أحذية باهظة الثمن للغاية، مشيرًا إلى أنه دفع ١٢٠ شيقلًا مقابل "شبشب" من الاسفنج ليرتديه.
لم يجد خلدون خيارًا في النهاية إلا اللجوء لتخييط حذاء طفله القديم للمرة الثالثة على التوالي حتى بات مهترئًا للغاية وممتلئًا بالخيوط الممزقة.
وتصف مروى المدهون (٣٧ عامًا) مشكلة عدم توفر أحذية في الأسواق العامة، بـ"المريرة ويترتب عليها مشكلات حياتية عديدة".
وقالت المدهون لموقع "فلسطين أون لاين": "عندما نزحت من شمال قطاع غزة إلى رفح في بداية الحرب، كنت اعتقد أن مسألة نزوحنا لن تستمر طويلًا لذلك تركت كل ملابسنا وأحذيتنا في منزلنا في الشمال".
وأضافت: "ولكن وبعد ١٠ أشهر من الحرب ندمت كثيرًا لأني لم أخذ ما يكفينا من ملابس وأحذية".
وأوضحت المدهون أنها حاولت كثيرًا العثور على أحذية لها ولم تفلح بذلك، وأحيانًا تعثر على أحذية لكن يطلب الباعة ثمنًا باهظًا للغاية مقابلها.
وتابعت: "أصبحت أتجنب زيارة شقيقاتي ومعارفي بسبب عدم امتلاكي حذاء، فالأمر يضعني في حرج اجتماعي كبير".
وتتساءل المدهون: "حتى اللحظة لا أفهم توجه الاحتلال في عدم إدخال الأحذية لقطاع غزة؟ لماذا لم يدخلوها مع المساعدات الإنسانية الأخرى هي والمنظفات؟".
وتساءل محمد أبو جراد وهو أب لستة أبناء ونزح من مدينة غزة إلى بلدة القرارة جنوب القطاع "كيف يمكنني أن أوفر أحذيةً لأطفالي وثمن الواحد يزيد على مئة شيكل".
وأوضح أنه لا يملك سوى تخييط أحذية أبنائه مرة تلو الأخرى، مضيفًا: "لم نألف مثل هذه الحياة، ولم نتخيل أن يصل بنا الحال في يوم من الأيام إلى هذا المستوى من المعاناة والمأساة".
ولفت أبو جراد النظر إلى أن زوجته تورمت قدامها بسبب كثرة تخييط ووضع المسامير في حذائها، وقال: "أشعر أنني أخفقت في توفير أدنى متطلبات أسرتي، ولم أعد أجد بدائل أو خيارات أخرى لتأمين حاجاتنا الأساسية".
وتابع: "في إحدى المرات حدثت مشكلة بيني وبين شقيقي الأصغر مني لأنني قمت بارتداء حذائه. لم أكن أتوقع أن ينزعج شقيقي من هذا الأمر ولكن أعتقد أنه كان محقًا في ذلك".
وعمد بعض الإسكافيين ومصلحي الأحذية على تفصيل أحذية محلية الصنع، باستخدام قطع جلدية بالية، قد تشكل لدى البعض خيارًا جيدًا يساعدهم على قضاء حوائجهم.
وقال الإسكافي رمزي أبو عصر (٣٢ عامًا)، وهو نازح من مدينة غزة إلى دير البلح لموقع "فلسطين أون لاين": "بينما لا يستطيع الناس العثور على أحذية تناسب أقدامهم، أصبحت أصنع أحذية بدائية باستخدام الجلد والبلاستيك".
وأوضح أبو عصر خلال حديثه لـ"فلسطين أون لاين" أنه عادة ما ينتزع الجلد من الشنط النسائية العتيقة ويستخدم قطعًا بلاستيكية لصناعة النعل، منتجًا "شباشب" تناسب كافة الأعمار.
ولكن أبو عصر نوه إلى أن هذا الحذاء أو الشبشب، ذو جودة رديئة للغاية، وقد يحتاج صاحبه لإعادة خياطته عدة مرات.
وأضاف : "كل شخص يملك حذاءً أصبح يحافظ عليه بشكل مبالغ فيه، لأنه يعرف أن لا بديل له".