فلسطين أون لاين

آخر الأخبار

خبير عسكري يكشف: هذه معضلة الاحتلال بـ "محور فيلادلفيا" وحقيقة الأنفاق المكتشفة برفح

مسؤول في الدفاع المدني لـ "فلسطين أون لاين": استهداف الاحتلال لمراكبنا وطواقمنا سيزيد من صعوبة عملنا

وصلوا أجساد محروقة حرقًا.. الإعلام الحكومي بغزة: 320 شهيدًا وجريحًا بأسلحة "إسرائيلية" محرمة دوليًا

خسائر "الدبابات" بمعارك غزة أجّل قرار دمج مجندات جيش الاحتلال في "سلاح المدرعات"

"القسام" تعلن مقتل وجرح جنود للاحتلال بعد تفجير دبابتين جنوب غزة

"بسبب الكوفية الفلسطينية" عميد كلية يرفض تكريم طالبة.. تفاصيل واقعة أغضبت المغاربة (شاهد)

كاتب "إسرائيلي": 7 أكتوبر تسونامي تاريخي كشف عن انهيار مدوٍّ لأسطورة جيشنا

لهذا السبب.. عائلة الشهيد الطبيب عدنان البرش ترفض طلبًا "إسرائيليًا" بتشريح جثمانه

زحالقة لـ "فلسطين أون لاين": نتنياهو وضع أهدافًا للحرب لا يمكن تحقيقها كي تستمر

تصاعد الهجرة العكسية .. نصف مليون "إسرائيلي" حزموا حقائب الهجرة منذ 7 أكتوبر

فقدت 48 شهيدًا من عائلتها

تقرير قصَّة: صابرين عليان التي بقي هاتفها صامتًا في العيد

...
عائلة عليان .. 48 شهيدًا
غزة/ يحيى اليعقوبي:

بلا مكالمات هاتفية تهنئها بحلول العيد، وبلا بهجة أو فرحة، بقي هاتف المغتربة عن قطاع غزة صابرين عليان صامتًا طوال أيام عيد الأضحى المبارك، اختفى فيه صوت والديها وأشقائها الشهداء، واختفت صور العيد ومراسم ذبح الأضحية التي كانوا يرسلوها على هاتفها كونها تعيش في الغربة في كل عيد.

بفارغ الصبر وعلى أحرَّ من الجمر كانت عليان تضع هاتفها بقربها يوم العيد، بانتظار قدوم المكالمات الهاتفية التي كانت تأتيها عبر الإنترنت من قطاع غزة سواءً من الوالدين أو الأشقاء وحتى أبنائهم، أما حاليًا فبقيت تتأمل صور نحو 48 شهيدًا من أفراد عائلتها وذويهم تراجع ذكرياتها مع كل فرد فيهم وتتألم لعدم تمكنها من إلقاء نظرة وداع عليهم أو العيش بقربهم بسبب غربتها عن الوطن.

فجر 21 نوفمبر/ تشرين ثاني 2023، توقف عقلها لثوانٍ عن العمل وهي تشاهد مقطعًا مرئيًا لانتشال جثامين 48 شهيدًا بينهم والداها وأشقاؤها وأخواتها وأولادهم إضافة لشقيقة صاحب البيت وأولادها، عندما استهدف الاحتلال منزلاً نزحت إليه عائلتها من مخيم الشاطئ بمدينة غزة إلى مخيم النصيرات وسط القطاع.

يومها رأت صابرين عليان أشجار ورقة العائلة تتساقط من الفروع والأغصان وتخلع الشجرة من جذورها، فحل خريف الفقد على قلوب الناجين، وكأنَّ الزمن توقف بها في تلك اللحظة.

تفتش عليان في صندوق ذكرياتها الممتلئ بتفاصيل حياة كانت فيها بعيدة المسافة وقريبة بين تلك التفاصيل تشاركهم عن بعد كافة مناسباتها، تقول لـ "فلسطين أون لاين": "كان التواصل بيننا يزيد في هذه الفترة، وكنا نتواصل طوال الوقت، دائما أحرص على التأكد أن أبي وأمي يأخذون الرعاية الصحية اللازمة لهم، وترتيبات الأضحية التي كان مسؤولا عنها أخي محمد".

في العام الماضي، شاهدت عليان عبر الفيديو كافة تفاصيل ذبح الأضحية، تحضرها الذكريات "كنت موجودة بدولة السويد، ورأيت كيف قام أخوتي بذبح الأضحية، وتحضير وجبة الفطور، وكانوا في غاية من السعادة والسرور وهم على مائدة الطعام، ثم ارتدوا ملابس العيد وذهبوا لزيارة الأقارب وشقيقاتي".

الكثير من التفاصيل الجميلة كانت حاضرة في حياة عائلتها، سواء بترتيب زيارة الشقيقات والأقارب، وكيف كان الأطفال يتزاحمون للركوب في سيارة العائلة للظفر بجولة المعايدة، في صوتها حرقة وهي تستعيد اللحظات الجميلة "كنت أتحدث عبر الهاتف مع أمي وأبي عن تفاصيل اليوم، ثم تأتيني أكثر من 7 مكالمات من أخوتي وأبنائهم ونتحدث عن العيد".

كانت رحلة العائلة تنتهي عند بيت شقيقتها "آية"، وكان مسك الختام وأكثر البيوت الذي يرتاح فيه الأخوة من تعب المسافات بين الطرق، وهو البيت الذي لجأوا إليه عندما نزحوا من مخيم الشاطئ بمدينة غزة حتى قصف على رؤوسهم بلا سابق انذار وأصبح قبرًا لهم ولذكرياتهم التي بقيت محفورة فيه.

يبكي صوتها رحيل عائلتها "للأسف الشق الاجتماعي من العيد، اختفى من حياتي، ولا أعتقد أني في يوم من الأيام سأحتفل أو أعيش فرحة العيد مثل قبل، حتى بوجود أولادي وأحفادي. الشعور مختلف ولا يوجد إنسان يعوض آخرا، فلا يوجد صور نتشاركها ولا أسمع صوت أهلي ولا أعرف تفاصيل حياتهم".

تردف: "كان في بيتنا حب غير عادي بين أخوتي وأخواتي، كنا عائلة مترابطة جدا لكن للأسف حرمنا الفرحة".

بيت آمن

مع نزوح أهالي مدينتي غزة وشمال القطاع، مع بدء حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال على قطاع، اتخذت عائلة "عليان" التي تسكن بمخيم الشاطئ قرارها بالنزوح كحال باقي الأهالي، وكانت وجهتهم منزل شقيقتهم "آية" التي تعمل في برامج الأمم المتحدة الإنمائي ((UN وزوجها الطبيب "عبد اللطيف" الذي فتح أبواب منزله لاستيعاب عدد كبير من النازحين من الأقارب والأنساب، معتقدين أنه منزل آمن وبعيد عن عيون طائرات الاحتلال.

من أعلى شجرة العائلة استشهد والدها عبد العزيز (86 عامًا) وأمها زينب الغول، وشقيقها محمود عليان ويعمل منسقًا لتصاريح العمال في هيئة الشؤون المدنية، واستشهدت معه زوجته وأولاده الأربعة أصغرهم طفل رضيع لا يتجاوز عمره ثلاثة أشهر، وشقيقها "محمد" استشهد مع أولاده الأربعة أكبرهم عمرهم 14 عامًا وأصغرهم ست سنوات بينما أصيبت زوجته نور عدنان الغول، وهي الوحيدة الناجية من عائلتها، واستشهدت أمها زوجة الشهيد عدنان الغول وهي "حماة" شقيقها محمد.

في قائمة الفقد، استشهد شقيقها يوسف عليان ويعمل ممرضًا في مستشفى العيون، ونجت زوجته وأولاده الذين لم يتواجدوا بالبيت لحظة القصف وكانوا في منزل آخر، واستشهدت شقيقتها "نسرين" هي نجلها الصيدلي عصام وطفليه، والمهندس حسام عبد ربه ويعمل في شركة الاتصالات الفلسطينية "أوريدو" وطفله، واستشهد بنات شقيقتها نسرين وهم: إسراء وأفنان ومسك ورغد معظمهن احتفلوا بتخرجهن الجامعي حديثًا.

ضمت قائمة الشهداء شقيقتها "جيهان" وزوجها خالد الحملاوي، وابنها موسى وابنتها لينا مع زوجها وطفليها "يحيى ولين"، واستشهد من عائلة الحاج سارة وقسام وديما الحاج والأخيرة استشهد معها زوجها وطفلهم الرضيع وهي تعمل بمنظمة الصحة العالمية.

نجى من المجزرة الطبيب عبد اللطيف الحاج الذي كان على رأس عمله بالمشفى، وزوجته "آية" التي أصيبت في كسور في عظام القفص الصدري وأصيبت ابنتها، ونجى حفيداها عبد الرحمن (7 أعوام) وأصيب بكسور بالحوض وشقيقته آية (14 يوما) والتي ولدت خلال الحرب وقدر لها أن تعيش وتخرج من تحت الردم حيّة وأصيبت بنزيف في الدماغ، ونجى طفلان من أبناء أخواتها من المجزرة.

جمعت عليان تلك الوجوه في صورة عائلية تستوعب صورة لوجه كل شخص فيهم، تظهر حجم الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني والاحتلال يقوم بمسح العائلات واحدة تلو الأخرى، وينهي ذكريات وتفاصيل حياة أسست عبر عقود طويلة، وكأن الشعب الفلسطيني يعيش نكبة متجددة لا تتوقف.

أرض مهجورة

تملك عائلة عليان أرضا زراعية كبيرة ورثتها أمهم تقع بمحافظة الشمال، كانت الأرضُ وجهة العائلة في عطلة نهاية الأسبوع وفي مناسباتها وخاصة في الأعياد، "عائلتنا مترابطة وبيننا أواصر قوية، دائما كنا نجتمع، وأهالي معروفين بين الناس أنهم عائلة مسالمة ويعملون بوظائف مرموقة ويهتمون بالتعليم فهوم مهم جدا لدينا، وفي الرياضة فلدينا من أبناء أشقائي من يتعلمون الموسيقى في معهد أدوار سعيد، وكرة السلة".

تستحضر صابرين صورا من الترابط العائلي بينهم "دائما تراهم مع بعضهم، أولاد الأخوة كأنهم أشقاء وليسوا أبناء عم، الحب متجذر بين الأخوة".

"علاقتنا كلها فرح ولمات أسرية، دائما نجتمع وأحيانا ينام أخوتي يومي الخميس والجمعة في أرضنا الزراعية، وفي رمضان يفطر أخوتي وأولادهم عندي والدي، بيننا حب كبير ودائما تجمعنا لمات كبيرة، وكذلك في العيد كنا نجتمع في الأرض" رافق الأسى صوتها.

بقي من هذه العائلة الممتدة، ست شقيقات ثلاث منهن مغتربات، وثلاث في غزة وهن "آية" التي فقدت أبناءها وبيتها، وأممية وسهير والأخيرة تولت مهمة مؤلمة بالتعرف على جميع أفراد العائلة وكانت تشاهد الأشلاء الممزقة.

يثقل الفقد قلبها "أمامنا رحلة وجع طويلة، لا نستوعب ما حدث وكأننا نعيش في حلم لا نستطيع الاستيقاظ منه".

رحلت العائلة وبقيت أرضهم الزراعية شاهدة على ذكريات وأيام جميلة ستطرق أصواتها أبواب ذاكرة من نجو حينما يزورون المكان وقد تناقصت أعداهم، أصبحَ بيتهم في مخيم "الشاطئ" مهجورًا ولن يفتح أبوابه وسيبقى مغلقًا.

 وجوه وأسماء كثيرة في هذه العائلة جمعتها صابرين عليان في إطار صورة واحدة ضمت شجرة العائلة الممتدة، وهي واحدة من آلاف قصص الإبادة الجماعية التي طالت عائلات بأكملها، جمعها قبر واحد وعلق عليه شاهدٌ واحد على جرائم دموية ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزة.