فلسطين أون لاين

حرب الجوع في قطاع غزة

...
صورة تعبيرية
د. فايز أبو شمالة

بعد الفشل الإسرائيلي في تركيع أهل غزة، وبعد عجز الجيش الإسرائيلي عن حسم المعركة العسكرية ضد رجال المقاومة، لجأ العدو الإسرائيلي إلى حرب التجويع، والهدف الخفي والمعلن لهذه الحرب هو إخضاع أهل غزة، وتركيع إرادة أبطالها من خلال تجويع أهلها، وهذا ما يدركه الصغير والكبير في غزة، وهذا ما يدركه قادة المقاومة، الذي يثقون بقدرات الشعب على الصمود، ويثقون بهشاشة القدرة الإسرائيلية في حسم المعركة من خلال التجويع، بعد أن عجز الجيش الإسرائيلي عن تحقيق أدنى انتصار من خلال تدمير البيوت، وتدمير مقومات الحياة في غزة.

حرب الجوع في غزة ليست جديدة على العدو الإسرائيلي، فقد سبق وأن حاصر سكان قطاع غزة خلال انتفاضة الحجارة 1987، وسبق أن عاقب أهل غزة بالحصار والتجويع خلال انتفاضة الأقصى 2000، حين قطع مفاصل غزة، وقسمها إلى شمال وجنوب، في تلك الفترة كان يغلق حاجز أبو هولي لعدة أيام، ويعيق حركة المواطنين، ويحول دون وصول المواد الغذائية من الشمال إلى جنوب، وسبق أن حرم العدو أهل غزة من الوقود ومقومات الحياة سن 2006، وذلك بعد ظهور نتائج الانتخابات التشريعية، وتكليف إسماعيل هنية بتشكيل الحكومة.

وحتى هذه اللحظة، يبدي الشعب الفلسطيني في قطاع غزة قدرات عجيبة على الصمود، قدرات أذهلت العدو الإسرائيلي، وفرضت نفسها على قرارات قياداته العسكرية والسياسية، وتكفي الإشارة هنا إلى قرار قيادة الجيش الإسرائيلي بالإعلان عن هدنة إنسانية في محيط معبر كرم أبو سالم في الجنوب، بهدف تسهيل وصول المواد الغذائية للسكان، ليبدا هجوم السياسيين على القيادة العسكرية، والتنكر لتوقف الجيش عن ممارسة جرائمه ضد المدنيين، ليتحول حصار سكان غزة إلى حصار يطبق بأنيابه على الوضع الداخلي الإسرائيلي، وعلى القيادة الإسرائيلية، وهي تسعى لتبرئة نفسها من جريمة حرب الإبادة، وهي تسعى لتحقيق ادنى انتصار تتفاخر به أمام المجتمع الإسرائيلي، ولو من خلال حرب التجويع.

وكما فشلت حرب الاغتيالات، وكما فشلت حرب التصفيات ضد سكان قطاع غزة، وكما فشلت حرب القصف والتدمير والذبح اليومي لعدة مئات من سكان قطاع غزة في اليوم الواحد، وبعد أن فشلت سياسة حرمان أهل غزة من الكهرباء والماء والدواء، ستفشل حرب التجويع، وسيصدم العدو الإسرائيلي بقدرات الشعب الفلسطيني على الصمود، وسيصدم العدو الإسرائيلي بقرارات محكمة العدل الدولية، وقرارات محكمة الجنايات الدولية، وسيصدم بحراك العواصم الغربية، وانتفاضة الجامعات الأمريكية، تلك القوى السياسية غير المنظورة، والتي هزتها جرائم الاحتلال، وحركتها تلك الوحشية التي يمارسها الجيش الإسرائيلي ضد المدنيين، وحشية لم يسبق أن اقترفها جيش عبر التاريخ، ولم يسبق أن مارسها مجرمو الإرهاب الدولي، وقادة العالم السفلي، جرائم حرب أوجعت سكان قطاع غزة، ولكنها ضربت عصب الفكرة التي قامت عليها دولة الصهاينة، وزلزلت أركان دولة حسبت نفسها فوق القانون الدولي، وحسبت أن العالم سينسى جرائمها، وسيغفر لها الخطايا التي أيقظت ضمير الأمم، وأحدثت التحولات الاستراتيجية في وعي الأمم، وذلك لصالح القضية الفلسطينية بشكل عام، ولصالح مستقبل الشعب الفلسطيني