منذ توقيع معاهدة كامب ديفيد بين مصر والكيان الصهيوني مرت هذه المعاهدة بمراحل مختلفة بين السلام الباهت والسلام الدافئ إلى الطريق لمرحلة السلام الفعلي بكل خطوطه في المرحلة الاخيرة والتي اطلق خلالها العديد من المبادرات لتوسيع مساحة السلام بين الكيان الصهيوني ودول عربية اخرى تقدمها ما سمي بـ (صفقة القرن) ذلك الاسم الذي أطلقه المعلق في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، أمير أورون، وصاحب ذلك ما تعج به المنطقة العربية بأحداث جسام، ومشكلات عضال، اقتصادية، وسياسية، واجتماعية، وأمنية، وعسكرية، يتعالى ضجيجها، وتزهو أضواؤها المقلقة، الا ان هناك حدثا جما مر بصوت هامس، وضوء خافت، وهو إنشاء قاعدة أميركية في صحراء النقب للكيان الصهيوني، حيث تناقلت وسائل الإعلام العالمية المختلفة – نقلاً عن النسخة الالكترونية لصحيفتي «يديعوت أحرونوت» و«تايمز أوف إسرائيل»- نبأ إقامة الولايات المتحدة الأميركية قاعدة عسكرية دائمة رسمية في الكيان الصهيوني، وهي قاعدة للدفاع الجوي في قلب صحراء النقب، وتقع داخل قاعدة “مشابيم” الجوية الإسرائيلية القائمة بالفعل، غرب بلدت يديمونة ويروشام.
سلاح الجو الإسرائيلي أعلن ترحيبه بإنشاء القاعدة، وقال إنها تشكل وجها آخر، لتعميق التعاون التشغيلي بين البلدين، وستتوج ذروته في فبراير المقبل بإجراء التدريب المشترك «الكوبراجنيفر» الذي يجري كل عامين، ويشمل التدريب سيناريو متعدد المسارات، يتعرض فيه الكيان الصهيوني لهجوم بالصواريخ من عدة اتجاهات في وقت واحد.
وقال قائد الدفاع الجوي الإسرائيلي الجنرال زفيكاهاي موفيتش، إن الأعلام الأميركية بدأت ترفرف فوق القاعدة العسكرية بالنقب بالفعل، وإن هذه الخطوة لم تأت كرد مباشر على أي حدث معين أو تهديد محتمل وإنما جاءت على ضوء “الدروس” المستفادة من حرب غزة عام 2014 والمخاطر المستقبلية المحتملة ضمن إطار تقارير الاستخبارات، وأشار إلى أن لهم الكثير من الأعداء في القريب والبعيد.
الخبر لم يكن للإعلان عن نية إقامة القاعدة، ولكن عن تدشينها بالفعل، وبتتبع الأمر أشارت تقارير إسرائيلية في 2015 إلى اختيار قاعدة “نفاتيم” الجوية في صحراء النقب، لاستيعاب السرب الأول من المقاتلات الأميركية من طراز (إف 35)، والتي تسلمها سلاح الجو الإسرائيلي هذا العام، وهي مقاتلات يمكنها التحليق لمسافة 2200 كيلومتر، وتغطية مساحات هائلة في الشرق الأوسط، والتخفي من جميع الرادارات المعروفة حاليا لدى جيوش العالم، ولم تحصل عليها أي دولة أخرى بخلاف أميركا سوى إسرائيل.
المعطيات المذكورة تعكس أبعادا استراتيجية جديدة يجب الوقوف أمامها، وتأملها، ويجب أن يتعمق التنظير السياسي لدراسة هذه المؤشرات واستنباط المستهدف منه، فربما تكون المرة الأولى في العالم التي تقيم فيها الولايات المتحدة قاعدة عسكرية خارج أراضيها بجوار مفاعل نووي، كما أنها لأول مرة تكون قاعدتها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط محددة التوجهات وتحمل رسالة معينة، فرغم انتشار القواعد الأميركية في المنطقة إلا أن المعلن أنها لا تستهدف حماية دولة بعينها، كما أن تزاوج وتقارب القاعدة الأميركية الجديدة (مشابيم) مع القاعدة الجوية الاسرائيلية المكتظة بمقاتلات أميركية رفيعة المستوي (نفاتيم) والمتواجدتين بصحراء النقب يدعو للتساؤل عن المغزى العسكري من هذا التكثيف الجوي بمنطقة كانت بمنأى عن المخاطر طيلة سنوات التوتر العربي الاسرائيلي وتحديدا بعد حرب أكتوبر 1973.
على جانب آخر نجد التواجد العسكري الأميركي الاسرائيلي بات يتوسط قلب المنطقة العربية. ولم تصبح القاعدة بعيدة عن عدد من الأقطار العربية المتسمة علاقاتها بأميركا وإسرائيل بالراديكالية، كما أن التحول في القضية الفلسطينية بإتمام مصالحة داخلية ترعاها مصر وتزامن هذه المصالحة مع الإعلان عن القاعدة يحمل مؤشرات مزدوجة التفكير يرجحها البعض بأنها خطوة مقدمة لحل الصراع العربي الاسرائيلي، ويرجح آخرون بأنها نواة لحدث عظيم في المنطقة.
المحطة النووية الإسرائيلية ليست بحاجة لحماية، فلم تصدر عنها أضرار ومخاطر مرصودة ـ حتى الآن ـ تستدعي ردة فعل، ولم تتعرض لهجمات أو أعمال تخريبية، بل ولم يصل لها أي مواطن فلسطيني بسبب تواجدها في منطقة معزولة بسياج صعب اختراقه.
أميركا ليست بحاجة لهذا الزخم العسكري في المنطقة، بفضل وجود تقاربات وتفاهمات مع دول كثيرة بالمنطقة، وإسرائيل لا تواجه خطرا في الوقت الراهن من جيرانها شرقا وغربا، فما الذي يدعوها للانخراط فى “صفقة” بهذا الحجم محددة الاتجاه؟ ولمصلحة من أن يمر نبأ القاعدة العسكرية دون شعور المواطن العربي به في هذا “القرن” المعلوماتي؟ وما هي الطموحات الإسرائيلية من هذا التكدس فى منطقة “آمنة” عسكريا، ومعزولة بشريا؟ هل الاستراتيجية الأميركية تغيرت؟ وهل البعد الأمني الاسرائيلي طرأ عليه تغيير مفاجئ؟.. قد لا يصل التنظير لنتيجة حتمية، ربما تجيب الأيام عن هذه التساؤلات بعناية، وغالبا ستكون متقاطعة مع الأفكار التنظيرية في نقاط كثيرة؛ لكن المؤكد والثابت أن العدو يتضخم في صحراء النقب تمهيدا للحظة انطلاق. ولتكون الصورة كاملة المعالم يجب التدقيق في سباق التسلح خاصة في المجال الجوي فنرى مصر صاحبة اتفاقية السلام والتي تبنت خلال الفترة الاخيرة تفعيل السلام الا انها ورغم الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها تذهب هي ايضا إلى سباق التسلح واخره صفقة الطائرات الروسية والتي اعلن عنها موقع “ديفينس ويب” بشراء مصر 50 طائرة من طراز “ميج 29″ من روسيا، مشيرا إلى أن الطائرات ستأتي إلى مصر ضمن صفقة أسلحة كبيرة جدا تشمل منظومة دفاع جوي من الطراز “SA-23″ و”SA-17″، فضلا عن 46 طائرة من طراز “ka-52″ لحاملة الطائرات، مشيرًا إلى أن مجمل الصفقة يبلغ نحو 5 مليارات دولار. فإذا كان السلام هو عنوان المرحلة فهل يعني انشاء القواعد العسكرية والسباق الكبير لشراء احدث الأسلحة هو المقصود لحماية هذا السلام وفرضه كأمر واقع.