لم تغِب القضية الفلسطينية عن قلب ووجدان الشعوب العربية في يوم من الأيام منذ عام 48 ووعد بلفور المشؤوم، وخاضت الأمة من أجلها العديد من الحروب العسكرية والسياسية والشعبية، بل التصقت معها قلوب العديد من الدول الإسلامية لرمزية مدينة القدس والمسجد الأقصى الشريف عند المسلمين، وما يتم من تدنيس بين الحين والآخر من المتطرفين اليهود بمساعدة الحكومات الإسرائيلية على اختلاف أيديولوجياتها السياسية، هذا بخلاف الاعتداءات الممنهجة على الشعب الفلسطيني، سواء في القدس المحتلة أو الضفة أو قطاع غزة.
وبعد أن كانت القضية الفلسطينية إحدى أهم ركائز التلاحم الشعبي العربي، تاهت القضية نتيجة شق الصف العربي، بعد حملات التشكيك التي بدأت من قمة الهرم إلى قاعدته، ومن النخب حتى تنتشر في الشعوب.
ونتابع الآن بعد انتشار برامج (التفرقة الاجتماعية) حملات التشكيك "الممنهجة" والتي تهدف لتغييب القضية الأم عند المواطن العربي، وهي فلسطين بقدسها المحتل، وأفضل السُّبل في ذلك لأدوات الكيان الصهيوني هو تقطيع أواصر العلاقات العربية-العربية بين الأشقاء من أجل تغيير موازين الاهتمام والأولوية بالنسبة لقضايا الوطن العربي.
فنسمع مرة عن الانشغال بالقضايا الاقتصادية، ومرة أخرى عن نوعية الاصطفاف مع أي من القوى الدولية النافذة، لتغيب بوصلة الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وتبتعد بالطريق إلى مراحل لم تكن في الحسبان أو تخطر على البال.
ووسط هذا التنافر تترك القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني بمفرده في مواجهة مباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي، وهذا ما دفع هذا الاحتلال إلى استخدام أقصى وسائل القوة الممكنة مع الشعب الفلسطيني في حادث جنين مؤخرًا على سبيل المثال، أو عند قصف غزة الممنهج كلما تتأزم المواقف الداخلية الإسرائيلية فينقل المتصارعون المحتلون حلبة الاختلاف إلى قصف لمدينة غزة. وترك الفلسطينيين عسكريًّا وحدهم في صراعهم مع الآلة العسكرية الإسرائيلية المدمرة، في معركتهم الطويلة والمضنية.
إن نهج بث الفرقة والصراع بين الأقطار العربية والذي يبدأ بطرح ما يسمى "السلام" مع الكيان المغتصب ثم التلاسن على صفحات (التواصل الاجتماعي) سيكون متبوعًا بحدث كبير ربما يبدأ بقصف كبير للأراضي الفلسطينية، بعد انشغال الأشقاء بالاختلافات.
وهذا ديدن العدو الصهيوني الذي يستغل كل انشغال عربي أو عالمي بقضايا أخرى فيقوم بتجريب أسلحته الحديثة على حساب الدماء الفلسطينية، وهذا ما يتم استقراؤه من التاريخ. فمع نشوء (إسرائيل) كنتوء امبريالي في المنطقة تصاعدت اعتداءاتها ضد الفلسطينيين مستغلة الوضع الراهن وهي تسعى لإنهاك المقاومة الفلسطينية باغتيال أفرادها تارة وتشويه القيادة، وتفتيت الاصطفاف الوطني تارة أخرى.
إن القضية الفلسطينية وللأسف بعد التقارب العربي الإسرائيلي من بعض الدول، وانشغال البعض الآخر بالخلافات العربية المصنوعة وغير المبررة، والتي أدَّت إلى وضع القضية الفلسطينية في مراحل متأخرة وليست على رأس اهتماماته، واكتفت بعض الأنظمة بمجرد المطالبة بضبط النفس والجلوس على طاولة المفاوضات، غير عابئين بالتضحيات الفلسطينية.
إن أول ما يريده ويطلبه الفلسطينيون من أشقائهم هو الإيمان المطلق بقضيتهم ودعمها، وعودة الاصطفاف العربي، ووضع الخلافات العربية المصنوعة من أدوات خارجية جانبا؛ لأن ما يجمع العرب أكثر بكثير من أي خلافات، واليقين بقدرات العرب الكبيرة على الساحة الإقليمية والدولية، وهذا ما يخشاه العدو الإسرائيلي ويستغل كل مناسبة أو حالة انحدار في تقوية الخلافات.
إن ما يميز المقاومة والشعب الفلسطيني هو تمسُّكهم بعروبتهم وانتماؤهم للأرض والمقدسات، وأنهم لم يكونوا يومًا بائعي أرض، ولا يقبلون المواءمة على الأرض والعرض، بل الحلم الفلسطيني أمام أعينهم باسترداد ما اغتصب منهم وهم يميزون بين العدو والصديق وهو ما زال في بطن أُمه.