بينما تستمر المجازر في غزة كل يوم، دون أي رد فعل حقيقي من العالم لردع الاحتلال الإسرائيلي، تشهد الضفة الغربية أكبر عملية مصادرة أراضٍ من جانب الاحتلال الإسرائيلي، منذ توقيع اتفاقيات أوسلو قبل 31 عاماً، في خطوة تتعارض مع القانون الدولي، وتبرز نية الاحتلال الإسرائيلي لرفض أي حلول غير هيمنته واستمرار بلطجته لا على فلسطين فقط، بل على المنطقة بأكملها.
أعلن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، الشهر الماضي، أن 800 هكتار في الضفة الغربية أراض تابعة لدولة الاحتلال، ما يسهل تخصيص هذه الأراضي لبناء بلدات استيطانية إسرائيلية.
إذ كشفت حركة "سلام الآن" الإسرائيلية أن حكومة بنيامين نتنياهو تتجاهل الموقف الدولي من موضوع الاستيطان والعقوبات التي فرضتها دول عدة في العالم الغربي على غلاة المستوطنين، بل وتستغل الانشغال العام بالحرب الهمجية على غزة، لمضاعفة كميات الاستيطان اليهودي.
قالت الحركة إن الأموال التي ترصدها الحكومة الإسرائيلية لتشجيع الاستيطان، والقوانين الجديدة التي تسنها، وكذلك التعديلات على القوانين القديمة، تؤدي إلى محو الخط الأخضر.
وتكمن الخطورة في أن تلك المستوطنات والبؤر الاستيطانية الإسرائيلية المنتشرة في الضفة الغربية المحتلة، تشكل مرعى لعصابات إرهابية إسرائيلية متطرفة مثل "مجموعات التلال".
وتحظى بدعم ورعاية كاملة من حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بما فيها القضاء، حيث إن المحكمة العليا في إسرائيل قررت قبل عدة أشهر منع إخلاء بؤرة استيطانية أقيمت مؤخراً وسط الضفة الغربية، على أراضي قرية المغير في محافظة رام الله والبيرة، وسط الضغوط التي مارسها وزير المالية الإسرائيلي المتطرف سموتريتش. إذ تعمل المحكمة كذراع من أذرع الاحتلال، وهي كذلك في الأغلبية الساحقة من القضايا التي تعرض عليها عندما يتعلق الأمر بالاستيطان والمستوطنين.
بالإضافة لذلك، تقوم محكمة الاحتلال بدور في غاية الخطورة على هذا الصعيد، فهي تدعي أنها تعكس التزام الاحتلال بسلطة القانون، وتسهم في تكريس شرعيته أمام مؤسسات القضاء الدولية، أي أن إحدى وظائفها من حيث علاقتها بالاحتلال وممارساته هي حماية صورة إسرائيل، وحماية الذين يخالفون القانون. وفي ظل ذلك تجاوزت عدد البؤر الاستيطانية حتى الآن نحو أكثر من (254) بؤرة موزعة على محافظات الضفة الغربية، بما فيها القدس.
وقد استفحلت البؤر كظاهرة نهاية تسعينيات القرن الماضي، إثر دعوة أرئيل شارون، الذي كان يشغل منصب وزير الطاقة والبنية التحتية في حكومة نتنياهو الأولى، المستوطنين آنذاك لاحتلال رؤوس الجبال والتلال، للحيلولة دون انتقالها للفلسطينيين لاحقاً، في إطار أي تسوية سياسية مستقبلية بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.
وكانت تلك الدعوة بمنزلة الضوء الأخضر لقيام منظمات يمينية متطرفة، لعبت الدور الأبرز في نشر تلك البؤر الاستيطانية، وعُرفت لاحقاً باسم "شبيبة التلال"، وتتكون من مستوطنين متطرفين، قد نشطت خلال العقدين الأخيرين، متخذة طريقة حياة تشبه إلى حد كبير نمط حياة السكان الأصليين من البدو الفلسطينيين، وإقامة بؤر استيطانية مكونة من خيام وغرف مبنية من الصفيح على معظم تلال وجبال الضفة.
تتحرك تلك الجماعة بتعليمات توراتية ودينية من حاخامات متطرفين، ركزت هجماتها على امتداد طريق "الون" الاستيطاني، الذي يشق الحزام الشرقي للضفة من الشمال حتى الجنوب، وعلى الحواف الشرقية لمحافظة رام الله في منطقة طريق المعرجات، الذي يعتبر أحد المنافذ البرية الرئيسية للفلسطينيين تجاه المعبر الحدودي مع الأردن.
تعد "شبيبة التلال" من بين أبرز الجماعات الاستيطانية التي تقوم بهجمات مستمرة ضد الفلسطينيين، إلى جانب جماعة "تدفيع الثمن" المتطرفة.
وقد تأسست "شبيبة التلال"، في نوفمبر/تشرين الثاني 1998، وحظيت حينها برعاية وزير جيش الاحتلال آنذاك أرئيل شارون، الذي سمح بتسليح عناصرها، لتمكينهم من سرقة الأراضي الفلسطينية، وإنشاء "البؤر الاستيطانية" ومشاريع "الاستيطان الرعوي".
وتبدأ خطوتها الاستيطانية الأولى بإنشاء خيمة أو كرفان لعدد من المستوطنين بالقرب من مستوطنة قائمة في المنطقة، وسرعان ما تتطور الخيمة أو الكرافان لتصبح بيوتاً متنقلة، أو بيوتاً جاهزة يجري ربطها بالمستوطنات القريبة بشوارع ترابية، ثم معبدة، وبشبكة مياه وكهرباء، وغيرها من لوازم البنية التحتية، في انتظار منحها الشرعية من الإدارة المدنية التابعة للاحتلال.
وكثيرة هي البؤر الاستيطانية التي تحولت مع الوقت إلى أحياء لمستوطنات قريبة أو لمستوطنات قائمة بذاتها، كما هو حال مستوطنة "راحاليم" ومستوطنة "شيفوت راحيل"، إلى الجنوب والجنوب الشرقي لمدينة نابلس.
من هذه المستوطنات والبؤر الاستيطانية تشكلت جماعات مثل "شبيبة التلال" و"تدفيع الثمن" وغيرهما من مجموعات الإرهاب الإسرائيلي، والتي تتخذ من المستوطنات والبؤر الاستيطانية ملاذات آمنة لها، وهناك تمثيل لها في الكنيست، ودعم سياسي واقتصادي، وبالتسليح العسكري عبر وزراء وأعضاء كنيست كانوا على رأس هذه الجماعات، بينهم بن غفير وسموتريتش.
كما يحظى المستوطنون بدعم من عضو الكنيست "تسفي سوكوت"، المحسوب على "شبيبة التلال"، وكان أحد قادتها، حيث أعرب مؤخراً عن امتعاضه من سياسة الحكومة الإسرائيلية في الضفة بعدم الرد على العمليات بالطريقة الصحيحة.
وتمنح حكومة الاحتلال -وفق التقرير- غطاءً لتشكيل ميليشيا مسلحة للمستوطنين في الضفة، إذ هاجم العشرات من المسلحين المستوطنين قرى حوارة وأم صفا وترمسعيا وغيرها من القرى الفلسطينية.
وفي السياق نفسه تراجعت عمليات هدم المباني غير القانونية، وفقاً للقوانين الإسرائيلية، التي يبنيها المستوطنون في الضفة الغربية، منذ أن مُنح أحد قادة حزب "الصهيونية الدينية"، وزير المالية سموتريتش، سلطة واسعة على القضايا المدنية في الضفة الغربية.
على صعيد آخر، عدّت الصحفيّة الإسرائيلية عميرة هيس الهجومَ المتواصل والمتكرر على جنين ومخيمها، وشمال الضفة الغربية المحتلة، مقدمةً للعودة لأربع مستوطنات في محيط جنين، والتي ألغي قانون إخلائها مؤخراً، وأن العمليات العسكرية تهدف إلى إخضاع الفلسطينيين وإضعافهم، وبالتالي بدء تنفيذ مخطط العودة لمستوطنات شمال الضفة، وهي "غانيم"، "كاديم"، "صانور"، "حوميش".
يذكر أنه رغم إخلاء المستوطنات الأربع في العام 2005، فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي أعلن عنها مناطق عسكرية مغلقة ومصنفة مناطق "سي"، وبذلك يحظر البناء الفلسطيني فيها، وقد بقيت على حالها منذ 18عاماً.
أما عن دور السلطة الفلسطينية، فهي عاجزة وفاشلة في القيام بواجبها الأساسي المتمثل في حماية الفلسطينيين، مع وجود حوالي 70 ألف مسلح تحت لواء الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية، تعجز عن صد هجمات المستوطنين وتحقيق الأمان للمواطنين، حيث تكبل السلطة نفسها باتفاقيات باليه وتنسيق أمني مع المحتل، ما يحد من قدرتها على التحرك الفعّال، ويجعل أقصى ما يمكنها أن تقوم به هو التنديد واعتقال المقاومين.