فلسطين أون لاين

جيش من ورق.. فئات بجيش الاحتلال "الإسرائيلي" تفت في عضده

...
عبد السلام فايز

جيش من ورق، ولو أردنا إنصافه قليلاً فربّما نضيف له صفة المُقوَّى، لنصبح أمام جيش من الورقِ المُقوّى، وتلك الإضافة تكون إنابةً عن حجم المجازر المروّعة والإبادة الجماعية التي أفلح فيها جيش الاحتلال الإسرائيلي، بعدما حَوّل قطاع غزة إلى أكثر منطقة منكوبة في العالم، تصديقاً لقول خبراء عسكريين دوليين اعتبروا أن الدمار الذي لحق بالقطاع المحاصر بسبب الهيستريا العسكرية للاحتلال، أكبر من الدمار الذي لحق في ماريوبول في أوكرانيا، والدمار الناتج عن قصف جيوش الحلفاء لألمانيا في الحرب العالمية الثانية، أو الدمار الذي لحق بمحافظة حلب شمال سوريا على مدار 4 سنوات بين 2012 و2016.

هذا الجنون المتفاقم هو نتيجة فشل جيش الاحتلال المأزوم في تحقيق أي هدف من أهدافه، والتي حددها هو بنفسه على لسان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في أكثر من مناسبة، حينما قال إن تل أبيب لن توقف حربها على غزة حتى تحقيق 3 أهداف: القضاء على حركة حماس، وإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين عنوة، وضمان ألا تشكل غزة تهديداً لأمن إسرائيل، فلا هم قضوا على حماس، بل لا تزال الحركة تفاوض بمنطق القوة، وتعقد الاجتماعات واللقاءات على مستوى دول إقليمية مؤثرة مثل قطر وتركيا وروسيا وإيران، ودول أفريقية أيضاً مثل نيجيريا التي زارها وفد من الحركة لمدة 4 أيام، في شهر فبراير الماضي، كما تعقد لقاءات مع أهم المنظمات، كاللقاء الذي عقده مسؤول العلاقات الدولية في الحركة موسى أبو مرزوق، مع منسق الأمم المتحدة الخاص بالشرق الأوسط تور وينسلاند في الدوحة قبل أيام، وهذا دليل واضح على وجود الحركة واستمراريتها.

  ولم يفلح جيش الاحتلال كذلك في إطلاق سراح أسراه، ولا تزال غزة الشغل الشاغل لهم على مدار الساعة، رغم مرور أكثر من 5 أشهر، لجيش مُدجّج بالأسلحة، مدعوم عسكرياً من دول عظمى فتحت له جسوراً جوية لتدفّق الأسلحة والمقاتلين.

إنّ ورقية جيش الاحتلال وهشاشته التي يتناولها المقال ليست نابعة من تفوّق كتائب القسام عسكرياً، وواهمٌ من يؤمن بهذه الفكرة، فلا يمكن لهذه الكتائب المقاتلة أن تكون أكثر قدرة عسكرية من جيش الاحتلال المنظم والمدعوم، لكنّها أكثر منه كفاءة لسبب واحد، هو أنها صاحبةُ الأرض والجمهور، وتمتلك هذا العنصر الذي يعتبر من أهم عناصر القتال باللغة العسكرية، فيما يقاتل جيش الاحتلال الإسرائيلي، مدعوماً بفئتين عسكريتين تفتان في عضده من حيث لا يحتسب، وتعودان عليه بالخيبة والوبال؛ أمَّا الفئة الأولى فهي فئة "الجنود الوحيدون"، وهم الذين يَنضمّون إلى هذا الجيش من خارج دولة الاحتلال، ويقول الموقع الرسمي لهذه الفئة عبر الإنترنت، إنّ ما يُعرَف بالجندي الوحيد هو واحد من الأصناف التالية: مهاجر حديث العهد، أو متطوع من الخارج، أو جندي يتيم، أو فرد عسكري يعود نسبه إلى منزل مُفكّك عائلياً، ولكَ أن تتخيل عزيزي القارئ أن تعداد هذه الأنفار العسكرية في جيش الاحتلال نحو 7 آلاف، 45% منهم من المهاجرين الجدد القادمين من كافة أنحاء العالم، و50% من الأيتام والمُفكّكين، بالإضافة إلى المنبوذين من عائلاتهم بسبب أفكارهم الدينية والسياسية.

وهنا يقفز السؤال الذي يفرض نفسه بقوة المنطق: كيف ستقاتل هذه الفئة العسكرية؟ وما حجم التوقعات الممكنة إزاء معارك ضارية تخوضها مع كتائب فلسطينية تقاتل بدافع الإيمان بأنها صاحبة الأرض والحق؟ 

أمّا الفئة الثانية التي ابتُلي بها جيش الاحتلال فهي فئة المقاتلين الأجانب، التي أحدثت جدلاً كبيراً في الأوساط الإسرائيلية، فقد قال النائب الفرنسي توماس بورتيه في تغريدة عبر منصة "إكس": "بعثت رسمياً برسالة إلى وزير العدل إيريك دوبوند موريتي، أطلب منه استخدام سلطته في التوجيه، حتى يتمكن من فتح تحقيقات بشأن 4000 فرنسي موجودين على الجبهة في غزة، ضمن الجيش الإسرائيلي، وفي حالة ارتكاب جرائم حرب أطلب تقديمهم أمام العدالة الفرنسية، كما سأحيل الأمر إلى المدعي العام عبر المادة 40، وفيما يتعلق بجرائم الحرب التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية على حد سواء، فمن غير المقبول أن يشارك بها المواطنون الفرنسيون"، انتهى الاقتباس، فهؤلاء الآلاف الذين جاؤوا من فرنسا لن يخدموا جيش الاحتلال أكثر مما كانوا يتوقعونه، ولن يُحدِثوا فارقاً سوى بارتكارب المزيد من الجرائم وحملات الإبادة الجماعية، وبالمناسبة فإن هؤلاء المرتزقة الفرنسيين ليسوا الوحيدين، بل مَاثَلَهم جنود آخرون جاؤوا من بلدان أوروبية وأفريقية وعربية، تبرأت بعضُ حكوماتهم منهم، كما فعلت جنوب أفريقيا، التي رفضت انخراط مواطنيها بجيش الاحتلال الإسرائيلي، وهددتهم بالملاحقة وسحب الجنسية.

إنّ جيشاً يضمّ بتشكيلاته العسكرية هاتين الفئتين المُقاتلتَين لن يفلح في تحقيق الهدف ضمن المدة الزمنية المحددة، وهذا الكلام لا ينطبق فقط على جيش الاحتلال بالمناسبة، بل يتعداه إلى جيوش أخرى جلبت المرتزقة والمأجورين لمواجهة أصحاب الأرض الأصليين، لكنها في نهاية المطاف وجدت نفسها خارج المعادلة، وخارج الحسابات، حتى لو حققت انتصاراً هنا وإنجازاً هناك، وتحولت إلى جيوش من القتلى والجرحى وأصحاب الإعاقات الجسدية والنفسية.