فلسطين أون لاين

​بين العفوية والتكلف يقف أصحاب الشخصية المرنة

...
غزة - فاطمة أبو حية

في بعض الأحيان، يُمدح الشخص بعفويته، ولكن الصفة ذاتها قد تكون سببًا لذمّه في أحيان أخرى، مما يجعله حائراً بين العفوية والتكلف، منطقتين كلاهما قد يجلب له المشكلات، فلا يدري أيهما يختار، قد يبقى على سجيته، ولكنه ربما يتحول إلى إنسان متكلف متصنع بامتياز، ولكن هناك من يجيد الوقوف في المنطقة الوسط.

ولكن بلا تكلف..

تقول "آلاء شاهين"، وهي موظفة في مؤسسة خاصة، إنها كانت محتفظة بعفويتها في التعامل مع الناس حتى تخرجها من الجامعة، ولكن بعد خروجها إلى سوق العمل تغير الحال تماما، مضيفة: "في المدرسة والجامعة يكاد الاحتكاك يكون مقتصرا على الصديقات المقربات فقط وليس كل الزميلات، مما يعني أنني أتعامل مع الكل على سجيتي دون تكلف، ولكن في العمل يختلف الأمر، فأنا أتعامل مع عدد كبير من الزملاء، ومع عدد أكبر من شرائح مجتمعية مختلفة أتواصل معهم بحكم عملي".

وتتابع في حديثها لـ"فلسطين": "في بداية استلامي لوظيفتي كنت أتعامل مع الكل بنفس أسلوبي الذي اعتدت عليه طوال سنوات عمري، ولكن بعد فترة لاحظت أن هذا الأمر سبب لي الكثير من المشاكل، ولأسباب مختلفة منها التعامل بتلقائية، فكان لا بد من تغيير بعض الصفات في شخصيتي وفي طريقة تعاملي مع الناس كي أتمكن من التواصل مع البيئة الجديدة التي وجدت نفسي فيها بعد العمل".

وتواصل شاهين: "التغيير شمل الكثير من الجوانب، منها ما تغير للأفضل، ولكن فيما يتعلق بالتلقائية تحديداً، فقد استغنيتُ عنها وأصحبت أدرس تصرفاتي، وهذا أفضل بكثير لأنه يجعلني أتعامل مع كل شخص بما يناسبه"، مؤكدةً أن: "هذا لا يعني أنني تحولت إلى التكلف والتصنع، وإنما كل ما في الأمر أنني أختار لكل زمان ومكان الأسلوب المناسب".

تغييرٌ لا بد منه

أما "سارة عوض" فترى أن المجتمع يجبر أي إنسان على تغيير بعض صفاته ليتأقلم مع الناس بما يضمن عدم وقوع الكثير من المشاكل معهم، ولكن شريطة ألا يشمل التغيير المبادئ والقيم، وأن يكون عن اقتناع وليس لإرضاء الناس فحسب.

وعن العفوية تحديدا، تبين: "لو تحدثنا مع الكل بعفويتنا فهناك من سيفهم غير ما نقصد، وهذا سيؤدي لوقوع المشاكل، ولذا لا بد من اتباع قاعدة أن لكل مقام مقال"، مشيرةً إلى أنها في بعض الأحيان تتمنى أن تعود إلى عفويتها السابقة، إذ تشعر أنها تتحول إلى التكلف تدريجياً.

وتوضح: "أحسب حساباً لأقوالي وأفعالي مع الناس بشكل عام، ولكني أستثني منهم الدائرة القريبة مني، سواء أفراد أسرتي أو صديقاتي، فأنا معهم تلقائية تماماً".

وفق عدة عوامل

ومن جانبها، تقول الأخصائية النفسية الدكتورة عايدة صالح إن العفوية تكون في بعض المواقف ميزة، وفي مواقف أخرى تُعدّ من العيوب، مضيفة: "البساطة في التعبير عن النفس وفي التعامل مع الناس جيدة، ولكنها لا يمكن أن تكون أسلوباً ثابتاً يتعامل به الفرد مع كل الناس، فبعض المواقف تحتاج دقة وتركيز في القول تجنبا لوقوع أي مشاكل".

وتتابع في حديثها لـ"فلسطين": "يجب أن تكون العفوية في مكانها الصحيح فقط، ولا تمتد إلى المواقف التي تتطلب تصرفات مدروسة، وهذا مرتبط بعدة عوامل، من هو الشخص وطبيعة العلاقة معه والموقف بكامله"، لافتة إلى أن: "القلب الطيب جميل، ولكنه ليس مناسبا في كل مكان، فالعمل مثلا يتطلب الدقة، ولذا من الجيد أن نكون عفويين ولكن نعرف ما نقول ونضبط كلامنا".

وتبين: "يجب أن يفهم الإنسان شخصية الطرف الآخر في أي تعامل معه، وعلى أساسه يحدد طريقة التعامل، وبدون ذلك يجعل نفسه عرضة للكثير من المشاكل في مختلف مجالات الحياة، سواء في الأسرة أو العمل أو غيرهما".

وتوضح صالح: "بعض الأشخاص غير مثقفين ولا يحسنوا فهم الشخصيات والتعامل معها، وهذا يعود إلى نشأتهم الاجتماعية، وهؤلاء يكون المحيطون بهم من أهل وأصدقاء مدركين لشخصيتهم فيتقبلوا عفويتهم، ولكن عندما ينطلقوا إلى الحياة ويحتكوا بالناس في أعمالهم سيواجهون الكثير من المشاكل، وهنا سيجدون أنفسهم مضطرين لتغيير أساليبهم في التعامل".

وتشير إلى أن محاولات تغيير العفوية قد تصل إلى حد التكلف غير المحمود، وهذا حسب طبيعة الشخصية، فإن كان الفرد يتمتع بشخصية مرنة فسيكون قادراً على إيجاد أساليب تساعده على التعامل مع الناس بلباقة وبلا تكلف، إما إن لم يكن مرنًا فهو كالآلة الجامدة التي تتحول من العفوية إلى التكلف مباشرة.

وتؤكد على أن الوسطية هي الأفضل دوماً، فلا يتحول الإنسان تماماً، لأنه لن يكون مقبولاً عندما يكون متكلفاً ومتصنعاً، بل سيبدو تكلفه واضحا للناس، مما قد يجعله محط سخرية واستهزاء، ويجعله منبوذا من الآخرين.