تنصب كل الأنظار في الأيام الأخيرة إلى جنوبي قطاع غزة، إلى منطقة رفح، بعد إطلاق رئيس وزراء الاحتلال تهديداته بشأن بدء التوغل البري في منطقة رفح الحدودية مع مصر، والتي أوت منذ اليوم الأول للعدوان في 7 أكتوبر 2023، عشرات آلاف النازحين من الشمال والوسط.
نتنياهو، الذي يسعى بكل ما يستطيع لأن يطيل أمد الحرب لمصالحه الشخصية الضيقة، حيث إن توقف القتال يعني نهايته السياسية، إما بالمحاكمة وإما السجن، يسعى بكل قواه للمحافظة على حكومته اليمينية المتطرفة على حساب الدم الفلسطيني.
فوفقاً للقناة "13" العبرية، قالت إن نتنياهو طلب من رئيس أركان جيش الاحتلال هرتسي هاليفي، إعادة تعبئة جنود الاحتياط؛ تمهيداً لشن عملية عسكرية برية في منطقة رفح، جنوبي قطاع غزة.
منذ بداية العملية البرية لقوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة، كان الاقتحام المحتمل لرفح متوقعاً، حيث جرى تقسيم العمليات العسكرية في غزة إلى عدة مراحل. وبعد ادعاء إكمال 3 مراحل، تشمل الشمال والوسط وخان يونس، يستعد الاحتلال الآن للمرحلة الرابعة، التي تستهدف رفح في الجنوب.
هذه الخطوات تكشف عن النية الحقيقية للاحتلال، التي لا تقتصر على الأهداف العسكرية فحسب، بل تتجاوزها إلى محاولة إبادة وتهجير الفلسطينيين من غزة، في مسعى واضح لإنهاء القضية الفلسطينية.
حيث إن القيام بالعدوان البري في رفح يؤكد أن قوات الاحتلال الإسرائيلي لم تحقق الأهداف الاستراتيجية من اجتياح القطاع، وعلى رأسها القضاء على قيادات حركة حماس وكتائب القسام، أو حتى إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة، حتى أن الاحتلال ومع دخول الحرب شهرها الخامس، لم يظفر حتى اللحظة بصيد ثمين كافٍ، يجعله ينهي على أثره هذا العدوان الوحشي.
فما زال الاحتلال الإسرائيلي يتكبد الخسائر داخل الميدان وخارجه، رغم ما تقوله قواته حول تحقيق إنجازات في معركة خان يونس، وأشك أن ذلك صحيح، والدليل هو تهربه من مكان لآخر، علماً أن خان يونس تضم 5 ألوية للقسام، لكنه لم يصبُ إلى ما أراده، حسب رأيه.
لذلك يصوب الاحتلال آلاته التدميرية نحو رفح، التي يدّعي أنها ستكون المرحلة الأخيرة أو شبه الأخيرة البرية في قطاع غزة، للنبش عن أي إنجاز.
إن الهدف الاستراتيجي الرئيسي لدولة الاحتلال في المعركة الحالية يكمن في تهجير أهالي غزة ودفعهم نحو الحدود المصرية، مستغلة حججاً واهية كـ"تحرير الأسرى"، أو "سحق كتائب المقاومة" لتبرير عمليات الاقتحام والإبادة الجماعية التي تنفذها منذ اليوم الأول للمعركة. هذا التوجه يشير إلى سعي الاحتلال للضغط على مصر للسماح بتدفق النازحين عبر حدودها، ما يؤكد أن التهجير ليس مجرد نتيجة غير مقصودة للصراع، بل هو هدف محوري ومتعمّد.
فمحافظة رفح، التي تبلغ مساحتها 62 كيلومتراً مربعاً، وكانت تؤوي ما يقرب من 250 ألف نسمة، تشهد اليوم وضعاً إنسانياً مأساوياً، حيث تجاوز عدد سكانها المليون و300 ألف مواطن بفعل النزوح الكبير. هذه الحركة الديموغرافية القسرية ليست إلا دليلاً على محاولات الاحتلال لتمزيق كل سبل الحياة في غزة، ما يؤدي إلى تكثيف المخاطر على سكان رفح، ويزيد من احتمالية وقوع مجازر واسعة النطاق وارتفاع عدد الضحايا في المنطقة.
لقد عمل الاحتلال، في حربه على غزة، على تدمير أي سبيل لعودة الحياة في مناطق القطاع من تدمير للمنازل والمدارس والجامعات والمستشفيات والبنى التحتية لمناطق الشمال أو وسط القطاع، وأن قوات الاحتلال تضغط على المدنيين للتوجه إلى أماكن بعينها، ليصبحوا فريستها أمام أنظار ومسامع العالم.
و أمام هذه المأساة التي تتعمق وتتفاقم في ظل التواطؤ الدولي والعربي، والضوء الأخضر الأمريكي الذي يتحمل المسؤولية عنها كما يتحملها الاحتلال تمامًا .
يمكن القول إن اجتياح رفح قد يمثل الرصاصة الأخيرة لنتنياهو، ومن بعده جو بايدن والحكومات الغربية المنافقة، الذين يعلنون عن تأييدهم لحماية المدنيين الفلسطينيين، بينما يساندون في الوقت ذاته الهجمات الهمجية الإسرائيلية، رغم ذلك ما زالت تظهر المقاومة الفلسطينية صلابة وعزيمة لا تلين في الدفاع عن حقوق شعبها وقضيتها العادلة، ففي هذه الأوقات الحرجة، ما زالت تتجلى إرادتها في مواجهة الاحتلال كشعلة لا تنطفئ، مهما كانت العقبات، مؤكدةً على الأمل في مستقبل يسوده العدل والكرامة للشعب الفلسطيني.