كثيرة هي الأوساط التي لم تكن تتوقع فوز حركة حماس في الانتخابات الفلسطينية التشريعية عام 2006م، وقد أظهرت نتائج استطلاعات كانت قد نشرتها عدة مراكز تختص في هذه الأمور أنّ حركة حماس لن تستطيع حسم الانتخابات لمصلحتها، وإن كانت نتائجها في ذلك أفضل من أحسن توقع في الاستطلاعات المذكورة.
لقد كان فوز حركة حماس كالصاعقة التي هزت أركانًا كثيرة، ابتداءً من مراكز الاستطلاعات أو غيرها ممن يهتمون بهذا الشأن أو يعنيهم بصورة مباشرة، وخاصةً حركة فتح التي رفعت من سقف توقعاتها في حسم الانتخابات لمصلحتها، وقد كانت نتائج الانتخابات في الضفة الغربية مقلقة للكثيرين إذ تقدمت حركة حماس بصورة لافتة وغير متوقعة.
شكلت حماس الحكومة العاشرة برئاسة إسماعيل هنية، وقد استمرت قرابة العام، واجهت فيها متاعب وعقبات مختلفة، وتدهور الوضع الميداني في قطاع غزة بين حركتي حماس وفتح لتصل الأمور إلى صدام مسلح، بعد أن رأت حماس أنّ هناك مخططًا لإزاحتها عن الحكم بالقوة، وحكمت على ذلك من مجموعة من الحوادث التي سقط خلالها بعض الضحايا، فقررت حسم الموقف بالسيطرة على قطاع غزة وتسلم الحكم في مؤسساتها الحكومية والأمنية كافة.
في الضفة الغربية كانت الصورة مختلفة من حيث الصدام المباشر، فمع أنّ وزراء ونواب من حماس صرّحوا بوجود معيقات من موظفين في وزاراتهم يعتقد أنهم من حركة فتح، أو معيقات في المجلس التشريعي نفسه، ذلك لم يكن يصل إلى مواجهة مباشرة، وكانت سبل الحوار متوافرة، ما أسهم في عدم الانجرار إلى مواجهة مسلحة.
بعد عملية حسم الصدام في قطاع غزة لمصلحة حماس تصرفت فتح والسلطة على حدّ سواء بردّة فعل: تعطيل المجلس التشريعي، وحلّ الحكومة العاشرة، وتسريح عدد من الموظفين الذين يعتقد أنهم ينتمون إلى حماس ممن ألحقوا بالوظيفة بعد الانتخابات وتسلم الحركة الوزارات.
تدحرجت عملية الإقصاء لحماس وعناصرها، وأصبحت أشبه بالخطة التي ترمي إلى إنهاء وجود الحركة الرسمي والشعبي، وقد ظهر ذلك في حملة اعتقالات منظمة وكبيرة لكل من يشغلون عملًا في الحركة في شتى مجالاتها، وقد امتد ذلك إلى إغلاق مؤسسات اجتماعية وثقافية متعددة على مستوى الضفة الغربية، وذلك فضلًا عن ملاحقة حملة السلاح من أبناء حماس، كذلك طالت الحملة في بداياتها الحركة الطلابية التابعة لحماس وحظرت نشاطاتها العلنية.
لقد بررت فتح وأداتها السلطة الفلسطينية بأنّ هذه الخطوات تجاه حماس في الضفة إنّما هي لمنعها من الانقلاب عليها كما حصل في قطاع غزة، وذلك حسب تعبيرها، أو لمنع أفرادها من استخدام القوة في الرد على هذه الممارسات.
لقد كان المشهد في الضفة الغربية من طرف واحد، وقد التزمت حماس بعدم الرد على الحوادث التي استهدفت أفرادها أو مؤسساتها، وقد اختلفت وجهة النظر في تبرير ذلك، فيرى بعض أنّ عدم ردّها كان عجزًا لثقل السلطة الفلسطينية ومؤسساتها في الضفة، وأنّ المواجهة كانت ستكلف الشعب الفلسطيني غاليًا، في حين أنّ وجهة نظر أخرى ترى أنّ حماس كانت قادرة على المواجهة، ودلالة ذلك أن كمية كبيرة من العتاد والسلاح جمعت خلال سنوات الملاحقة كانت كفيلة بالوقوف بنديّة.
لقد شغل ملف الضفة الغربية وما حدث فيها جلسات الحوار كافّة ونتائجها من اتفاق مكة حتى اتفاق الشاطئ، وقد كان جزءًا من الملفات الشائكة في جلسات الحوار، فلم تبد حركة فتح مرونة في هذا الملف، وذلك لأسباب عديدة، قد يكون منها الضغوطات الإسرائيلية والاتفاقيات الأمنية التي قد تؤدي إلى عقوبات قد تطال السلطة في حال سمحت لحركة حماس بإعادة بنيتها، والتهديدات الإسرائيلية للسلطة والرئيس التي ظهرت بعد إعلان مصالحة يسعى إليها في القاهرة خير دليل على ذلك، والأمر الثاني هو رغبة حركة فتح بعدم وجود منافس قوي لها في مجالات الحياة السياسية والاجتماعية وغيرها، إذ إنّ نتائج متقدمة حصلت عليها حماس في مجالس طلابية في بعض الجامعات، وقوائم انتخابية دعمت بصورة غير مباشرة وصلت إلى بعض المجالس المحلية، مع عدم وجود هياكل تنظيمية لحماس بصورة أو بأخرى، وقوة الممارسات التي استهدفت حماس في الضفة، وهذا يشير إلى أنّ عناصر هذه الحركة ما زالت قادرة على التحرك من بين ثنايا كل المعيقات، ما قد يزيد التصلب عند حركة فتح في تليين موقفها من حماس الضفة.
من غير المحتمل أن يكون ملف حماس ومؤسساتها، وملف الاعتقالات لكوادرها في الضفة الغربية سببًا في فشل جلسات حوار القاهرة؛ فكل المؤشرات تظهر أنّ قطع خطوات باتجاه المصالحة أمر ضروري، وأنّ حماس ترى بصورة إستراتيجية أنّ تخليها عن حكم غزة بصورة مباشرة أمر يصب في مشروعها المقاوم، تساوقًا مع المتغيرات المحلية على مستوى القضية الفلسطينية، أو على المستوى الإقليمي وما فيه من تقلبات تنعكس على هذه القضية.
يبقى السؤال الذي قد يسأله أبناء حماس وكوادرها ومؤيدوها في حال تجاوز مطالبهم في الضفة الغربية: كيف ستشمُّ حماس في الضفة الغربية نسيم المصالحة؟