رجل يحمل طفله الصغير بين ذراعيه وهو يذرف دموع الفراق سائرًا به نحو القبر بعد قصف الاحتلال له، أو جثامين عائلات كاملة تتراص بجانب بعضها في مشهد رحيل جماعي، أو أحياء كاملة مدمرة بفعل تلك الصواريخ، رجل يجمع أشلاء عائلته من تحت الردم وجثث بالشوارع، نازحون ينامون في خيام غمرتها مياه الأمطار، وأطفال يبكون من الجوع وأنت ترى ذلك بكل مشاعر القهر يغط العالم في الصمت والمشاهدة وعدم التحرك وكأنه فقد إنسانيته ومشاعره التي هي أقل واجب من واجبات الإنسان تجاه الشعوب المنكوبة بأن يتحرك لنصرة المظلوم وهل هناك ظلم أوضح مما تعرضنا له.
الجرائم في غزة وحرب الإبادة التي يشنها الاحتلال فاقت ما فعله كل المجرمين وفاقت أي جرائم عرفها التاريخ.
ورغم كل الصور والفيديوهات التي توثق الجرائم بالصوت والصورة وبعضها أُذيع بالبث المباشر، وبعضها حتى تلذذ جنود الاحتلال في توثيق وبث جرائمهم أثناء اعتقال المدنيين، ونسف وتفجير مربعات سكنية، تجد محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية والأمم المتحدة تتململان في اعتبار ما يجري جرائم إبادة، فماذا يمكن تسمية قتل ٣٠ ألف شهيد؟، غير الإبادة الجماعية أم أن الكل لا يريد اغضاب أمريكا شريك الاحتلال في جرائمه ودعمه بكل وسائل الإبادة من الذخائر والصواريخ التي تهدم الجبال كم دمرت أحياء كاملة.
كل صورة تخرج من غزة كل يوم تحمل إدانة للعالم الدولي وكل يوم إضافي للحرب يغرق العالم أكثر في مستنقع التواطؤ ويثبت مشاركة الجميع فيما يجري من أجل تصفية القضية الفلسطينية وكأن أرواح الناس تباع في مزاج عالمي، الجميع اتفق على ذبحنا.
هذا الصمت والتواطؤ هو الذي شجع الاحتلال على استخدام القوة العسكرية الهائلة التي تعادل ربما قوة ٥ قنابل نووية في منطقة منكوبة قبل الحرب بسبب الحصار المستمر منذ ١٨ عامًا وبعض المناطق والمدن ومخيمات اللاجئين فيه أصبحت لا تحتمل قدوم منخفض جوي بسبب اهتراء أبنيتها وبنيتها التحتية.
لم يجنِ الاحتلال باستخدام هذه القوة المدمرة سوى الهزيمة في ميدان الإنسانية والأخلاق والمبادئ الدولية التي لم يسبقه أحد من البشرية في انتهاكها بهذا الشكل البشع والمروع.
من تواطؤ دولي إلى خذلان الأنظمة العربية للقضية الفلسطينية، تركت غزة تحت مقصلة العدوان لتذبح على الملأ في خيانة لروابط الأخوة والدين في وقت تسارعت تلك الدول لكسر الحصار البحري الذي فرضه الجيش اليمني على الاحتلال بمنع وصول السفن إليه عبر البحر الأحمر، فتسارعت بعض الدول العربية بمد جسر بري يخرج من دبي ويمر بالسعودية والأردن وصولًا للاحتلال، بينما يموت أطفال غزة من المرض والجوع ونقص الغذاء ويتقاسمون رغيف الخبز فأي وصف يمكن وضعه هنا!؟.
من يصمت على مشاهد قتل الأطفال والنساء وكأنه شيء عادي لا يمكن أن يصنف من بني البشر.
كما أن حرب غزة كشفت عورة القوانين الدولية والمنظمات الأممية وكل دولة كانت تتغنى بعبارات احترام القانون الدولي والإنسان، وعندما داس الاحتلال على تلك القوانين ظلت المنظمات الدولية صامتة أو أصدرت ردود فعل لم تخرج عن الشجب والاستنكار.
وفي وقت تتجاهل تلك المنظمات مجازر بشعة وقعت في غزة كمجزرة المعمداني والشجاعية ومخيم جباليا وشارع اليرموك التي استشهد فيها مئات المواطنين تسارع لإبداء غضبها واتخاذ عقوبات ضد النظام الروسي في أي انتهاك للقانون الدولي في الحرب "الروسية - الأوكرانية" في ازدواجية معايير تكشف زيف تلك الدول وانحيازها وتفرقتها العنصرية واستيداع إنسانيتها فيما يخدم مصالحها.