فلسطين أون لاين

​الكذب المُباح

يظن الكثير من الرجال والنساء أن إباحة الكذب فيما بينهما مطلقة شاملة كل شيء, لكن الإسلام وانطلاقا من حرصه على تماسك الأسرة, أباح الكذب بين الزوجين ضمن ضوابط محددة, إلا أن بعض الأزواج قد يتعدى هذه الضوابط فيكذب ليستبيح الحقوق أو يفر من الواجبات. وقد قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم": "وأما كذب الزوج لزوجته وكذبها له فالمراد به في إظهار الود, والوعد بما لا يلزم, فأما الخادع في منع ما عليه أو عليها أو أخذ ما ليس له أو لها فهو حرام".

إن المقصود بالكذب بين الأزواج هو الكذب في إظهار الود والمحبة لغرض دوام الألفة واستقرار الأسرة, كأن يقول الزوج لزوجته أنها غالية وأن لا أحد أحب إليه أكثر منها، أو أنها أجمل النساء في عينه, أو أن يظهر لها من المحبة أكثر مما في نفسه فيستديم بذلك محبتها ويستصلح به خلقها.

روي أن رجلا في عهد عمر نشد زوجته بالله إن كانت تحبه فأجابته بالنفي, لأنه نشدها بالله, ولما رفع زوجها الأمر لسيدنا عمر أمرها أن تكذب على زوجها قائلا: "ليس كل البيوت تبنى على الحب، ولكن الناس يتعاشرون بالإسلام والأحساب".

إن الأصل في إباحة الكذب هو الإصلاح بين الناس بما فيهم الأزواج، وفي عصرنا الحالي نحتاج للكثير من الكذب المباح لسد الفجوات بين الأزواج ولتحسين العلاقات بين الزوجة والأهل والعكس، فلا ضير أن يكون الزوج ذكيا ويستخدم رخصة الكذب ليحسن العلاقة بين زوجته وأهله إن وجد الشقاق بينهم، كأن يخبر أمه مدى محبة زوجته واحترامها لها، وكذلك يفعل مع زوجته فيخبرها كم تفتخر بها حماتها وتكن لها الود والمحبة, وبهذا يقرب بينهما ويزيل الضغينة إن وجدت. وهو بذلك لا يعتبر كذابا بل مصلحا كما يقول نبينا الكريم "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ويقول خيرا وينمي خيرا" رواه مسلم.

ويعتبر الإيحاء نوعا من الكذب العلاجي الذي يستخدمه المعالجون النفسيون وكذلك التربويون لتغيير السلوك, وترسيخ المبادئ, وغرس القيم النبيلة بطرق غير مباشرة في العقل الباطن من خلال إرسال رسائل متكررة للعقل الواعي الذي سيمررها مع الوقت للعقل الباطن والذي بدوره سيصدقها ويتعامل معها كحقائق, ويقول الدكتور أيمن الدهشان خبير التنمية البشرية "ما أروع أن يُستخدم الإيحاء في رسم صور ذهنية مليئة بالخير والصلاح والإيجابية والنجاح".

إن الزوج الذكي وكذلك الزوجة يستطيعان استخدام الإيحاء لتغيير طبائع بعضهم وترسيخ أفكار وصفات جيدة عند الشريك, فمثلاً إن كان الشريك لديه صفة سلبية تؤثر على دوام استقرار العلاقة الزوجية كالفوضى أو الأنانية أو البخل أو الجبن أو غيرها من الصفات, فما على الشريك سوى وصف شريكه بعكس هذه الصفات, فيردد على مسامعه أنه منظم إن كان فوضويا, أو أنه يهتم بالآخرين إن كان أنانياً, وأنه كريم إن كان بخيلا, وشجاع إن كان جبانا, ومع الوقت سيقتنع الشريك بالصفات التي تنسب له وسيبدأ بالتصرف بما يتناسب معها. وهناك طرق أخرى لاستخدام الإيحاء في التغيير منها الربط البسيط وهو الربط بين جملتين بواو العطف كأن تقول الزوجة لزوجها "أنت تستمع إلي وتشعر بالسرور", أو "أنت تجلس معي وتشعر بالراحة", أو "أنت بمجرد النظر لي تشعر بالراحة". في البداية قد يسخر الزوج مما تقوله الزوجة لكن مع تكرار هذه الجمل ستمر إلى عقله الباطن ويتقبلها كحقائق ومع مرور الوقت سيشعر فعلا بالراحة والسرور عند الجلوس معها والنظر إليها.

وبإتقان الأزواج للكذب المباح واستخدام مهارات الإيحاء مع الشريك من خلال سياق كلامهم ربما يتعبون في البداية، لكنهم مع التعود سيصبحون مذهلين وسيشعرون مع مرور الأيام في التأثير السحري لهذه الطرق في تحقيق السعادة.