رغم عدم تنفيذها لأي من القرارات الدولية الداعية لإعادة الحقوق الفلسطينية المسلوبة، إلا أن (إسرائيل) تسعى لاعتراض أي مشروع أممي ينتقد سياساتها في الأراضي الفلسطينية، تلك المساعي التي أسفرت أمس عن تراجع مجموعة الدول العربية في "يونسكو" برئاسة الأردن والسلطة الفلسطينية عن نيتها طرح مشروع قرار ضد الاحتلال الإسرائيلي للتصويت عليه في اجتماع اللجنة التنفيذية للمنظمة، والذي يبدأ أعماله في باريس هذا الأسبوع.
وينتقد المشروع سياسة الاحتلال في القدس المحتلة والضفة الغربية وقطاع غزة، وبالرغم من أهميته إلا أن الدول العربية والسلطة الفلسطينية تراجعوا عن نيتهم دون إبداء أسباب لهذا التراجع، مع الأخذ بعين الاعتبار أن قرارات "يونسكو" جاءت لصالح الفلسطينيين.
يذكر أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، أصدرت يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول 2016 -خلال اجتماع في العاصمة الفرنسية باريس- قرارا ينفي وجود ارتباط ديني لليهود بالمسجد الأقصى وحائط البراق، ويعتبرهما تراثا إسلاميا خالصا.
ضغوط أمريكية
ويقول الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات، في حديث لصحيفة "فلسطين": "أعتقد أن هناك ضغوطًا مورست من قبل عدة دول على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية على عدد من الدول العربية للتراجع عن هذه المشاريع".
وتابع: "أعتقد ما حصل في يونسكو يندرج تحت مظلة ما يتم التحضير له فيما يسمى (صفقة القرن)، لا سيما وأن (إسرائيل) أعلنت أنها لم تعد بتقديم أي شيء مقابل تراجع السلطة الفلسطينية والمجموعة العربية، عن هذه المشاريع".
و"صفقة القرن" مصطلح يشير إلى حل يرمي إلى إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لم تتضح معالمه حتى اللحظة، وإنما أشارت بعض التسريبات إلى سعي الولايات المتحدة لتقسيم الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967م بحيث تضم مصر قطاع غزة إلى سيادتها، مقابل حصول الأردن على أجزاء من الضفة الغربية، وضم باقي أجزاء الضفة لـ(إسرائيل) وهو ما كشفه الناشط البيئي الإسرائيلي "دانيال مورجانشتيرن" بصحيفة "هآرتس" بتاريخ 15 يوليو 2017، في مقال بعنوان "ليست واحدة ولا اثنتين بل ثلاثة".
ورغم عدم اعترافه بأي قرار دولي يدينه، فإن الاحتلال الإسرائيلي أبدى اهتمامه بهذا التراجع، والذي أوردته صحيفة "هآرتس العبرية" في عددها الصادر أمس، وجاء فيها: "المرة الأولى منذ أبريل/نيسان 2013، التي لا يتم فيها طرح مشروع قرار يتعلق بالقضية الفلسطينية في مؤتمر لمؤسسات يونسكو"، تعبيرًا عن فرحة (إسرائيل) بهذا الحدث.
وأشار عبيدات إلى أن الاحتلال الإسرائيلي بذل جهوده لإلغاء قرارات سابقة صدرت عن يونسكو، لا سيما ما يؤكد منها إسلامية المسجد الأقصى وأنه ليس لليهود أي تراث فيه ولا حتى علاقة لتنفي أكذوبة جبل الهيكل.
تراجع عربي
التساوق الفلسطيني الرسمي، والعربي متمثلًا بالمجموعة العربية في "يونسكو" مع المصالح الإسرائيلية جسده هذا التراجع غير المبرر عن مشروع قرار يدين سياسات الاحتلال في الأراضي المحتلة عام 1967، وهو ما أكده ناجي البطة المحلل السياسي المختص بالشؤون الإسرائيلية وعضو مجلس العلاقات الدولية.
وقال البطة في حديث لصحيفة "فلسطين": "هناك جهات عربية أصبحت مكشوفة تواكب كل ما تريده حكومة الاحتلال الإسرائيلية اليمينية الحالية"، مشيرًا إلى التصريحات المتكررة التي يطلقها رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو حول علاقاته الجيدة مع بعض الدول العربية.
وكانت نتنياهو صرح في خبر أورده موقع "مفزكون الإسرائيلي" الإخباري، بتاريخ 6-9-2017: "العلاقة التي تجمع (إسرائيل) بدول عربية غير مسبوقة عبر تاريخها وأنها لم تكن بهذا المستوى حتى مع توقيع اتفاقيات السلام".
واعتبر البطة أن الحكومات العربية اليوم تندفع نحو التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي دون أن تأبه لرغبات الشعوب ولا عدالة القضية الفلسطينية، مفسرًا سبب اهتمام الاحتلال بمثل هذه القرارات، بقوله: "إن هذه القرارات من شأنها أن تجرد (إسرائيل) ما تزعم أنه حق لها والتي بنتها على أسس النظرية الصهيونية التي زعمت وجود ما يسمى "جبل الهيكل" تحت أنقاض المسجد الأقصى".
وأكد أن قرارات "يونسكو" الأخيرة تنفي مبررات المشروع الصهيوني في أرض فلسطين.