لم تستيقظ أوساط الاحتلال من صدمتها التي أصيبت بها عقب اقتحام المقاومة المفاجئ لمستوطنات غلاف غزة، وقتل وإصابة وأسر المئات من المستوطنين والجنود والضباط الكبار، على اعتبار أننا أمام حدث غير مسبوق، واستهداف نوعي، سيكون له المزيد من التبعات والآثار على مختلف الأصعدة: فلسطينياً وإسرائيلياً.
إن أي تقييم إسرائيلي لما حصل في "طوفان الأقصى" يستدعي الانطلاق من محددات علمية مجردة تقوم على الأرقام والإحصاءات، تحكي خسائر الاحتلال على مستوى القتلى والجرحى والأسرى، وهي في مجموعها تفيد أن خسائره كبيرة، وتبقى المقاومة الفلسطينية تتمتع بميزة أنها تؤلم الإسرائيلي، وتجبره على دفع ضريبة مهمة لاحتلاله، خاصة في الجانب البشري من قتلى وجرحى.
في الوقت ذاته، فإن ما شهدته مستوطنات غلاف غزة من جولات ميدانية في وضح النهار يعني عدم بقاء الفلسطينيين وحدهم يدفعون الثمن، ويتلقون الخسائر، أو يبقوا الوحيدين يدفعون فاتورة التضحيات البشرية والمادية والمعنوية، ما يعني إمكانية تحقيق توازن "ما" في الخسائر البشرية، رغم أن الأهم يتمثل في قراءة الاحتلال لما يقع خارج الأرقام، ويسهم بفاعلية في رسم وقائع الفترة القادمة.
لم يكن خافياً على أحد أن المقاومة تتحضر لمفاجأة الاحتلال بمستوى ونوعية غير مسبوقين من العمليات التي نفذتها سابقاً، لكن لم يخطر ببال أحد من الإسرائيليين أو الفلسطينيين وقوع عملية من هذا النوع، وبمثل هذه الكفاءة والقوة، إلى الدرجة التي دفعت جيش الاحتلال مجددًا لاستخدام أساليب ثبت فشلها.
عوامل عديدة يمكن استخلاصها من نجاح القسام في إنجاز عمليته البطولية في مستوطنات غلاف غزة، لعل أولها التخطيط الدقيق لتنفيذها، وثانيها استهداف مواقع جيش الاحتلال، ما أسفر عن قتل وجرح عدد من كبار الضباط، وثالثها اقتحام المستوطنات بشكل غير مسبوق، ورابعها خوض مواجهات عسكرية مباشرة مع قوات النخبة في جيش الاحتلال.
لقد أكدت عملية طوفان الأقصى أن المقاومة برهنت أنها لا تزال قوية وقادرة على ردع الاحتلال، وتتمتع بخاصية التجدد والتنوع، وتمتلك الكثير من الخبرات والمهارات، وقادرة على ضرب الاحتلال في أماكن موجعة، واستهداف بنيته العسكرية، بينما يكون ردّه عبر استهداف المدنيين.
في المقابل، فقد كشفت هذه العملية عن حجم الهزيمة التي اعترف بها جنرالات جيش الاحتلال، وكبار خبرائه العسكريين، وتأكيدهم أن ما تم يمثل انكسارًا إسرائيليًا حقيقيًا أمام المقاومة، وشكل بنظرهم تآكلًا لقوة الردع العسكرية، لأن الفلسطينيين تجرأوا على دولة الاحتلال التي استطاعت أن توفر قوة ردع أمام الجيوش النظامية طوال أكثر من نصف قرن من الزمن.