بعد تجربة عدة فصول دراسية في التعليم الجامعي، تخللها تواصل مع شريحة واسعة من الطلاب، المقيمين في لبنان وغير المقيمين (عراقيين).. تكوّنت لديّ ملاحظات عديدة في أدبيات تواصل الطلاب مع الأساتذة خارج وقت الحصص التعليميّة، فقد يحتاج الطالب للتواصل مع أستاذه بهدف الاستفسار عن جوانب متعلقة بالمادة أو العلامات أو الاختبارات أو البحوث العلمية.
وللأسف، يتجاوز بعض الطلاب لياقات التواصل، الأمر الذي يؤدي أحياناً إلى إزعاجات أو مواقف محرجة، للأستاذ والطالب على حدّ سواء.
وأحببت أن أدوّن هذه الملاحظات المنطلقة من تجربة شخصية، لتعميم الفائدة، فيستفيد منها الطلاب الأعزاء في مسيرتهم الجامعيّة… ولعلّي أكون لسان حال كثير من الأساتذة الذين واجهوا مثل هذه المواقف.
ابتداءً، على الطالب أن يدرك الاعتبارات التالية:
الأستاذ/الدكتور الجامعي لا يقتصر تدريسه على مادة واحدة فقط، وكل مادة فيها عشرات الطلاب. لنفترض أنّ معدل عدد الطلاب في المادة هو ثلاثون طالباً... تخيل معي كم يكون عدد الطلاب الذين يتعامل معهم الأستاذ خلال الفصل الدراسي، وقد يكونون من جامعات مختلفة.
العدد الكبير للطلبة تجعل من الصعوبة أن يسجل الأستاذ أسماء جميع الطلبة على هاتفه، ولا سيما أنّ هذا الطالب قد يكون مروره عابراً، لهذه المادة فقط. كما أنه لا يملك وقته دائماً، فإذا لم يكن معك - عزيزي الطالب - في المحاضرة، هذا لا يعني أنه يستريح في الكافتيريا.
من حق الأستاذ أن يكون له وقت راحة خاص مع أسرته، في المساء والصباح الباكر وفي العطل الرسمية، كأيّ إنسان خارج وقت وظيفته.
إذا كانت شخصية الأستاذ لطيفة مع الطلاب، فهذا لا يلغي أهمية التخاطب الرسمي معه، سواء في المحاضرة أو خارجها.
بعد هذه العناوين العامة التي أجد ضرورة لفت الانتباه لها، أطرح ما أراه من أدبيات في التواصل بين الطالب الجامعي وأستاذه، فيتحقق هدف الاتصال دون أيّ إزعاج أو حرج للطرفين:
عند الحاجة لتواصل الطالب مع أستاذه خارج القاعة الدراسية، الأصل اعتماد الوسيلة الرسمية، وهي البريد الإلكتروني، هذا ما يجب أن يعتمده الطالب أساسيًّا، وحين يتاح للأستاذ مراجعة بريده سيفعل ويجيب على طالبه. هذا جزء من واجبه.
في كتابة الرسالة البريدية، ينبغي استخدام اللغة الرسمية المعتمدة في النظام التعليمي في الجامعة، العربية أو الإنكليزية، وتجنب اللهجة العاميّة.
استمراراً لرسميّة التواصل، ينبغي استخدام الأسلوب الجدّي الرسمي في صياغة الرسالة، بعيداً عن أيّ مزاح أو رفع كلفة.
الوقت الطبيعي للردّ على البريد الإلكتروني هو 24 ساعة. ليحذر الطالب من أن يكون لحوحاً، فهذا سلوك مزعج.
قد تفرض ضرورة معينة على الطالب أن يلجأ للاتصال الهاتفي. وهنا عليه أن يلتزم التالي:
إرسال رسالة (SMS) يعرّف فيها عن نفسه ويستأذن بحاجته للاتصال، وهنا إما أن يأذن الأستاذ بالاتصال أو لا، بحسب ظرفه.
في حال لم يجب الأستاذ مباشرة، على الطالب أن يفهم أنّ الوقت غير مناسب للاتصال، فلا يرسل مرة ثانية، ولا يلحّ في الطلب.
عند إجراء المكالمة الهاتفية، ليختصر الطالب في حديثه ويقصر من ديباجة اللياقات الاجتماعية (كيف حالك أستاذ؟ طمنا عنك. ما أخبارك؟ اشتقنا لك...). فليوجه التحية ويدخل في الموضوع مباشرة.
عوداً على ما ورد في العناوين العامة: ضرورة مراعاة الأوقات المناسبة للاتصال، واحترام خصوصية الأستاذ مع أسرته وأوقات راحته.
أما عند اعتماد الواتساب كآلية عمليّة وسهلة وغير مكلفة للتواصل فلابد من مراعاة التالي عند التواصل المباشر:
أن يفترض الطالب عدم وجود اسمه لدى هاتف أستاذه، فيقوم بالتعريف عن نفسه قبل الحديث.
من الأخطاء التي يقع فيها بعض الطلاب أن يرسل مثلاً: "مرحبا أستاذ. كيفك؟". ثم يسكت منتظراً الردّ. وهذا خطأ. فقد لا يتاح للأستاذ الدخول في سياق المجاملات واللياقات الاجتماعية التي قد تطول، فينصرف عن الرسالة لأنه لا يدري ما موضوعها. وجّه التحية ثم ادخل في الموضوع مباشرة في رسالة واحدة.
اللياقة تقتضي عدم استخدام المقاطع الصوتية، بل النص المكتوب. فالرسائل الصوتية فيها رفع كلفة مع الأستاذ، وبعض الأساتذة لا يتقبلون هذا. تخيل أن تصلك رسالة صوتية مدتها دقيقتين من رقم مجهول. هل ستفتحها؟ أشك في هذا.
هذه أبرز الذوقيات التي أجد ضرورة الالتزام بها عند التواصل بين الطالب الجامعي وأستاذه خارج الحصص التعليميّة، والتي تعزّز من قيمة الاحترام بين الطرفين، الاحترام الذي يشكل ركناً أساسياً في العلاقات الإنسانية.