كلما مرّ مزيد من الوقت يتضح بما لا يدع مجالا للشك أن الطريق الوعرة التي تجتازها حكومة الاحتلال لا بد لها من تعبيد يتمثل بإنجاز اتفاق التطبيع مع السعودية، على اعتبار أن من شأن حفل توقيعه بين جو بايدن ومحمد بن سلمان وبنيامين نتنياهو أن يمحو الانطباع الذي خلفته الأشهر التسعة الماضية من الاضطرابات الإسرائيلية الداخلية، وقد بات واضحا كم أن الأخير يسعى لذلك.
هذا التقدير يطرح سؤالا لا يقلّ أهمية عما سبق، وهو: أيهما أصعب: تحقيق التطبيع مع السعودية، أو التوصل إلى حل وسط متفق عليه بين الائتلاف اليميني والمعارضة الإسرائيلية، خاصة أن المسار الذي يقضي فيه نتنياهو جلّ وقته، ويبذل فيه معظم جهده هو الأول الذي يشهد تحقيق اختراقات لافتة، وبصورة متسارعة، على حساب الثاني الذي ما زال متعثّرا، ويشهد انسدادا في أفق إيجاد حلول له، ما يفسح المجال لمزيد من الاحتجاجات الإسرائيلية، وانضمام فئات أخرى إضافية.
الآن تبدو الصورة أكثر وضوحاً، إذ قد يشرع نتنياهو في العمل وفق طريقة الهرم المقلوب: من النهاية إلى البداية، فبدلا من الاتفاق مع خصميه يائير لابيد وبيني غانتس لمساعدته في التقدم مع بايدن وابن سلمان، فقد بات يأمل أن يساعده التوصل إلى اتفاق مع الأخيرين باتخاذ إيجاد حلحلة في الانقلاب القانوني الجاري تنفيذه حالياً، بمسارعة من حلفائه ياريف ليفين وبيتسلئيل سموترتش وإيتمار بن غفير.
اقرأ أيضًا: "التطبيع بمقابل".. سوق رائج لدى العرب
اقرأ أيضًا: السعودية تُعِدُّ صفقة ضخمة للفلسطينيين!
يصعب على كاتب السطور أن يتجاوز الربط بين الأمرين دون إلقاء نظرة على اللقاء الأول واليتيم الذي جمع نتنياهو وبايدن، وقد سيطر عليه موضوع التطبيع مع السعودية، دون منح الانقلاب القانوني الحيّز المطلوب، رغم أنه السبب الرئيس في عدم دعوة نتنياهو للبيت الأبيض، واليوم بعد تسعة أشهر من الفتور، يلتقي بايدن في بداية عام انتخابي حاسم بنتنياهو، وقد أصبح الانقلاب القانوني، الذي شغل معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية والأمريكية قبل اللقاء، هامشياً، في حين انضم إليهما ابن سلمان عندما أعلن بصوته، باللغة الإنجليزية، أن مختلف الأطراف تمضي كل يوم نحو اتفاق تاريخي.
مع العلم أن التحالف اليميني القائم في تل أبيب ربما لن يسمح بتقديم تنازلات جغرافية للفلسطينيين، خاصة في الضفة الغربية، أو الموافقة على تجميد كامل للبناء الاستيطاني غير القانوني فيها، وقد بدا لافتا أن نتنياهو أعلن أنه لا يخطط لأي تغييرات في تركيبة ائتلافه، في حين يعتقد من حوله أن المساعدات الإنسانية، خاصة الأموال السعودية الكبيرة، المقدمة للسلطة الفلسطينية، ستكون قادرة على الاستعاضة عن هذه التنازلات السياسية المطلوبة.