أدى افتتاح الاحتلال نفقًا أسفل المسجد الأقصى المبارك في 25 سبتمبر/ أيلول 1996، إلى انتفاض الجماهير الفلسطينية في وجهه، وامتد ذلك لمناطق واسعة في الضفة الغربية وقطاع غزة، واستمر عدة أسابيع، ارتقى على إثره 63 مواطنًا، وأصيب أكثر من 1600 آخرين.
وشكلت الهبة أنموذجًا مصغرًا عن انتفاضة الأقصى التي اندلعت بعدها بأربع سنوات، لتؤكد وفق مراقبين، أن المسجد الأقصى هو عنوان القضية الفلسطينية وأن اندلاع الأحداث فيه ينتقل لكل المدن كما حدث في ثورة البراق عام 1928، وكذلك بمعركة "سيف القدس" عام 2021.
وتتزامن الهبة في ذكراها الـ27 مع أعياد الاحتلال العدوانية وخاصة ما يجري منها في المسجد الأقصى، مما يؤكد أنه ما زال ماضيًا بتنفيذ مخططاته الخطيرة، ومن جهة ثانية فإن الشعب الفلسطيني ما زال يواصل الدفاع عن المسجد المبارك الأقصى، وفق باحثَين تحدثا لصحيفة "فلسطين".
ومنتصف سبتمبر الجاري بدأت "الأعياد اليهودية" بعيد "رأس السنة العبرية"، يليه "يوم الغفران" المستمر حاليًا، في حين يبدأ عيد "المظلة" أو "السكوت" في 29 سبتمبر، ويستمر حتى الأول من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، أما عيد "بهجة التوراة" فيحل بدءًا من السادس من الشهر نفسه.
وفي وقت تفتح ذاكرة الشعب الفلسطيني جرحًا لم يندمل متمثلا بهبة النفق، يفتح الاحتلال جرحًا جديدًا باستمرار العدوان على الأقصى، من خلال اقتحام مئات المستوطنين المسجد المبارك، إضافة إلى إغلاق أكثر من 2000 متجر فلسطيني قسريًّا بالبلدة القديمة.
ردة فعل شعبية
وقال الباحث في شؤون القدس ناصر الهدمي: إن هبة النفق كانت بمثابة ردة فعل شعبية مقدسية على جريمة قامت بها قوات الاحتلال هدفت لتزوير التاريخ المقدسي وتغيير ملامحه، وفرض السيطرة الكاملة على المدينة المقدسة، بعد حفر نفق تحت المسجد الأقصى بهدف البحث عن أي شيء يدعم الرواية الصهيونية يمكن استخدامه في مصالحهم السياسية.
اقرأ أيضاً: 26 عامًا على "هبة النفق".. ومخاطر التهويد ما تزال تُهدد الأقص
وأضاف الهدمي لصحيفة "فلسطين" أن الاحتلال عندما لم يجد أي أدلة يمكن استخدامها لبناء رواياته المزعومة، استغل الأمر في اتجاه فرض سيطرته، فأراد إثبات أنه موجود تحت الأرض بالمسجد الأقصى والبلدة القديمة، وحينما أعلن هذا التوجه كانت ردة الفعل الشعبية المقدسية كبيرة.
ورأى أن ردة فعل الشارع المقدسي من العناصر التي تؤثر على وتيرة تهويد الاحتلال لمدينة القدس، فهو ليس معنيًا بافتعال مواجهة خطيرة مع المقدسيين تؤدي لخسائر وردود فعل كبيرة من العالم، بالتالي يتحرك بأقل قدر من ردة الفعل في تنفيذ مخططاته، معتقدًا أن الهبة أثرت في مدى سرعة تنفيذ مخططاته.
وأكد أن الشارع المقدسي جاهز ومستعد للدفاع عن الأقصى دومًا، ولا يمكن التنبؤ بردة فعله نتيجة غياب العمل التنظيمي وغياب القيادة، بالتالي يتحرك المقدسيون بخليط من الأمزجة، وهذا ما يقلق ويخيف الاحتلال، مشيرًا إلى التحرك المقدسي الفاعل في كل الهبات التي اندلعت كهبتي باب الأسباط وباب الرحمة.
مخططات متواصلة
أما الباحث في شؤون القدس إسماعيل مسلماني، فأشار إلى أن الاحتلال بدأ بالحفر أسفل الأقصى منذ عام 1967، ثم جاءت هبة النفق التي استشهد فيها 63 فلسطينيًّا احتجاجًا على حفر نفق أسفل الأقصى، وامتدت الاعتقالات والأحداث التي أدت لاندلاع انتفاضة الأقصى.
ورأى مسلماني في حديثه لـ"فلسطين" أن اجتماع ذكرى هبة النفق مع ما يسمى "عيد الغفران" دلالة على أن الاحتلال ماضٍ في مخططاته التهويدية بالأقصى، ولا يزال يحاول الوصول لأي شيء يربطه بـ"الهيكل" المزعوم، ويعزز من رواياتهم التوراتية، ولم يجد أي شيء يثبت مزاعمه.
وقال: إن اجتماع المناسبتين تذكر الشعب الفلسطيني كذلك أن الاحتلال يستهدف المسجد الأقصى بشكل خطير، وأن الأقصى عنوان القضية في كل الأحداث منذ بدء ثورة البراق عام 1928 التي اندلعت من أجل الأقصى.
وعدَّ هبة النفق محطة تاريخية اندلعت على إثرها انتفاضة الأقصى، وشكّلت عنوانًا من عناوين الشعب الفلسطيني.
وحاول الاحتلال، وفق مسلماني، من خلال حفر النفق تكذيب الحقائق وتزوير التاريخ عبر كل الوسائل الممكنة، رغم أن كل ما تحت الأرض شاهد على العصور الإسلامية وعلى تاريخ الشعب الفلسطيني.
وأكد أن هبة النفق تؤكد كذلك التضحيات التي قدمها الشهداء في سبيل الدفاع عن الأقصى، كمحطة من المحطات المهمة التي اندلعت لأجله.
ورأى أن الوعي السياسي بين الماضي والحاضر تغير، فمنذ معركة "سيف القدس" أصبح الاهتمام الفلسطيني بقضية القدس والمسجد الأقصى كبيرًا وأحدث ربطًا للساحات، وأخذت قضية القدس بُعدًا عربيًّا ودوليًّا.
وأشار إلى أن "سيف القدس" أحدثت شرخًا كبيرًا في مخططات الاحتلال، إذ أعادت ربط أهل الداخل المحتل عام 1948 بالأقصى، وبحملات الصلاة وشد الرحال إليه.