بعد اقترابنا أكثر من أي وقت مضى نحو إغلاق ملف الانقسام وتطبيق المصالحة ظهرت تحليلات سياسية تفسر سبب الشروع في تطبيق المصالحة بالسرعة التي نراها، رابطين بينها وبين ما يسمى بـ"صفقة القرن" نسبت للرئيس الأمريكي وتتعلق بتسوية للقضية الفلسطينية وقضايا مختلفة في المنطقة.
قبل الخوض في تفنيد تلك المزاعم لا بد من الإدراك أنه لن ينفذ أي مشروع سياسي يخص القضية الفلسطينية رغمًا عن الشعب الفلسطيني أو دون إجماع الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها الفصائل المقاومة حتى لو وافقت على ذلك المشروع كل "الشقيقة" أو "الصديقة"؛ لأن فلسطين لنا وتخص كل مسلم يسعى إلى تحريرها وتحرير مقدساتها، لا تقبل القسمة ولا المساومة ولا المساومين.
أنا أعتقد أن ربط المصالحة بـ"صفقة القرن" أريد منه حفظ ماء وجه العدو الإسرائيلي الذي وجد نفسه مضطرًا إلى تنفيذ كل أو بعض مطالب المقاومة الفلسطينية في أعقاب فشله في عدوانه الأخير على قطاع غزة، حيث اضطر إلى الموافقة على شروط المقاومة ووقف إطلاق النار من جانب واحد، ولكنه ماطل وبتشجيع من أطراف عربية على تنفيذ الشروط حتى لا تحظى المقاومة بمزيد من التأييد وحتى تخفف (إسرائيل) من مضاعفات فشلها بل وهزيمتها. (إسرائيل) بعد ثلاث سنوات أصبحت مخيرة بين خيارين أحلاهما مر وصعب إما أن تقبل بتهدئة تتلو مصالحة داخلية منعًا لانفجار الأوضاع في غزة؛ لأنها لم تعد تحتمل المزيد من الصبر إلى جانب وجود انتفاضة القدس في الضفة الغربية قد تستعر في أية لحظة أو أن تستعد للخيار الآخر وهو الحرب ومواجهة الشعب الفلسطيني في غزة والضفة وربما في باقي مناطق فلسطين المحتلة.
لو كانت المصالحة جزءًا من صفقة القرن والسلطة طرفا فيها كما يقال لبادرت الرئاسة الفلسطينية بتذليل العقبات أمام المصالحة دون اضطرار إلى فرض عقوبات على قطاع غزة، وبذلك تكون السلطة قد كسبت الناس وليس العكس، ولو أن دولة أخرى تم تسميتها كانت طرفا في الصفقة لما حجبت عنها معلومات تتعلق بالمصالحة.
ختاما نذكر أن كل رئيس أمريكي يدخل إلى البيت الأبيض يأتي بأفكار جديدة وحلول مبتكرة للباحثين عن "الحلول السلمية" ثم يغادر دون أن يحرك عجلة السلام المهترئة والرئيس الحالي دونالد ترامب لن يكون حالة استثنائية، ولذلك لا بد من المضي قدما في المصالحة دون قلق أو خوف ممن يريدون تشكيكنا في صحة ما نحن ذاهبون إليه.