في صغري أحببت هذا الكائن المَهِيب بإطلالته العسكرية وبمِنجليه المسنّنين وعيونه الجاحظة التي تحرس موضعها من اقتحام الغزاة والمغامرين.
يحب أن يعيش في البرية وفي المروج المعشبة، وتجده أيضًا في الصحراء، يموّه بدنه باللون السائد في المكان، ويتحرك بأناقة وخفة، ولو كنتُ مكان الشهيد باسل الأعرج لجعلتُه شعارًا للمقاتل المحترف أكثر من النيص.
لا يقاتل السرعوف إلا من مسافة صفر، يحب المفاجأة، ويعرف فنون القتال السريع، ولذلك اتخذه معلمو القتال القديم أستاذًا في تخصصه.
لعله الحشرة الوحيدة القادرة على تدوير رأسها دورة كاملة للاستطلاع الكامل، ولها قرنان عاليان كأنهما رادار يلتقط الذبذبات الباهتة البعيدة، وذراعان عَبْلتان طويلتان تجمعان بين المتانة والثقل لتشديد الضربة وزيادة الضغط على الصيد؛ ولها قدمان طويلتان تمكنها من القفز والمراوغة والمناورة والهجوم المفاجئ.
كانت العرب تسميه قديمًا الجرادة الطويلة لشبهه بها وطول قامته المنحنية باستقامةٍ، ويسميه بعض الناس أبا البساتين لأنه يحرس البستان من الحشرات الضارة الفاتكة بالورق والثمر، ومن الزواحف الصغيرة، يغلق عليها الطريق ويقطّعها ثم يلتهمها بشراهة؛ وهو فوق ذلك لا يؤذي الإنسان ولا يخيفه.
اقرأ أيضًا: النّمس المنفرد!
اقرأ أيضًا: مظلة النبيّ الأكرم
ويطلقون عليه اسم الراهب، لوقوفه الطويل في محل حراسته رافعًا يديه كأنه في صلاة، وإذا كان أنثى فإنها تكون أكبر حجمًا من الذكر فيسمونها الراهبة!
وبعضهم يتهيب من منظرها الفخيم فيطلق عليها اسمًا مخيفًا: حصان إبليس لهيئتها التي يميل فيها الظهر المعدّ للركوب كأنه حصان، ونسبوه لإبليس لبطشه بفرائسه وقوة شره فيهم كإبليس مع بني البشر.
ويأبى بعضهم أن يقرنه بإبليس فيسمونه فرس النبي، ولا علاقة له بنبي من قبل كما لا علاقة له بإبليس، فلم يكن في الأولى مؤمنًا ولا في الثانية كافرًا، فهو مقاتل مهني محترف يقوم بعمله فحسب بحرية وفردية دون مساعدة من أحد أو توجيه مسبق.
ويعجبني في هذه الفرس الراهبة عشقها للنظافة فكثيرًا ما كنتُ أراقبها بعد أن تلتهم فريستها المقطعة، وهي تمسح وجهها وفكّها الحاد المزدوج بذراعيها الطويلتين وتأخذ وقتًا طويلًا في هذا الشأن.
ولا أدري لِم يحاول بعضهم إهانتها ونسبتها لقومٍ معتدين ويغير صفة الفروسية فيها فيسميها جَمَل اليهود، إنها فرس نبيلة راهبة مقاتلة وأليقُ ما تكون بأولئك الراصدين لفرائسهم حول المستوطنات الحشرية!