اليوم نستطيع القول إن حركة المقاومة الإسلامية حماس خرجت من الحُكم بمبادرة منها وبأقل الخسائر الممكنة وبأقصى ما تستطيع من مكاسب وعلى صُعد كثيرة، وذلك بعدما قدّمت كل ما تستطيع لخدمة أبناء الشعب الفلسطيني الذي يجب أن يوضع على جبينه قُبلة بيضاء نقية، قبلة الوفاء والمحبة والتكريم والتقدير لهذا الشعب الأبي الصامد على صموده الأسطوري.
لقد تحمّل أبناء شعبنا الفلسطيني ثلمات وآلامًا وجراحًا كثيرة ابتداءً بالحصار ومروراً بآلام الخنق والإغلاق وليس انتهاءً بالحرمان من السفر والعلاج والتعليم والمساعدات وغيرها من القضايا التي عوقب فيها بسبب خياره الحر الأبي.
كما وسجّل الشعب الفلسطيني البطل مثالا رائعا في الصمود والتضحية والوفاء، فرغم كل ما تعرض له؛ إلا أنه بقي صامداً جسوراً في وجه المؤامرات المتتابعة المتلاحقة، فما يكاد يخرج من مؤامرة إلا ومؤامرة في طريقها إليه، فكان العدوان "الإسرائيلي" عام 2008 وتكرر عام 2012 وعام 2014م، وقدم شعبنا في هذه العدوانات الثلاثة الآلاف من الشهداء والجرحى ودمرت منازلهم ومؤسساتهم ولكنهم لم يخونوا دماء الشهداء وحافظوا على خيارهم الحر بوفائهم للمقاومة، إنهم كانوا أوفياء بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ.
اليوم حركة حماس خرجت من الحكم دون الاستجابة إلى الضغوطات والدعوات المنادية إلى الاعتراف بـ"إسرائيل" أو الاستجابة إلى ضغوطات السلطة الفلسطينية أو حتى الضغوطات العربية والإقليمية والدولية.
نستطيع أن نقول إن حركة حماس "حملت السلّم بالعرض"، وتحملت ما لم تتحمله الجبال الرواسي، فتعرض قادتها للاغتيال ورجالها للاعتقال، ولكنها كانت تخرج في كل مرة منتصرة، فكظمت غيظها وعضّت على جراحاتها من أجل الشعب الفلسطيني وثوابته ومقدراته وقضاياه المصيرية، وفي مقدمتها الدفاع عن القدس والأقصى والمقدسات وتحرير الأسرى والمعتقلين من سجون الاحتلال الإسرائيلي.
مخطئٌ من يعتقد أن حركة حماس فشلت في المزاوجة بين الحكم والمقاومة، فعلى سبيل المثال لا الحصر وفي سدة حكمها؛ أسرت الجندي جلعاد شاليط ودفعت مقابل تلك الخطوة ثمنًا باهظًا تُوّج بالإفراج عن 1050 أسيرًا وأسيرة من أسرانا ومعتقلينا الأبطال في صفقة تاريخية مشرفة وهي صفقة وفاء الأحرار الذين تكحلت عيوننا بهم وبالإفراج عنهم وانتشر الفرح وسكنت السعادة في كل بيت وشارع ومخيم وزقاق.
إننا عندما نقول حماس فإننا نقول حماس المؤسسة، التي عمادها أبناؤها الميامين وشعبها البطل، هؤلاء الذين صبروا على الظلم الداخلي والعربي والإقليمي والدولي، وتحدّوا مع قيادتهم كل شيء من أجل قضيتهم وشعبهم ودعوتهم، فكانوا نعم المدافعين عن حياض قضيتهم بكل ما يمتلكون من قوة، فلم يقيلوا ولم يستقيلوا، بل كانوا الشمعة التي أنارت طريق الآخرين من أبناء الأمتين العربية والإسلامية.
حركة حماس تخرج اليوم من الحكم وهي مرفوعة الرأس والهامة، كيف ولا وهي لم تُقْدِم على أي تنازلٍ حاول الكثيرون فرضه عليها وبأثمان كبيرة.
حماس اليوم تتفرغ للقضايا الوطنية وتتهيّأ فعليًا إلى حمل المشروع الوطني ونقله نقلة نوعية إلى الأمام، القدس تنتظر الخلاص والأسرى ينتظرون الحرية وفلسطين تنتظر التحرير.
اليوم حماس على موعد مع مضاعفة قوتها للاستمرار في مسير المقاومة واستكمال عدّة التحرير، فما زالت تحمل نبض الشعوب وأمل الأمة في التحرير والخلاص.