فلسطين أون لاين

في نابلس القديمة.. أطباق "التيتي" تنعش ذاكرة الزمان والمكان

...
في نابلس القديمة.. أطباق "التيتي" تنعش ذاكرة الزمان والمكان
نابلس-غزة/ مريم الشوبكي:

رائحة العجة النابلسية التي يصنعها محمود التيتي أمام الزبائن داخل مطعمه تتخطى ضيق المكان إلى رحابة أزقة البلدة القديمة في نابلس، تجذبك مرغمًا نحو تذوقها في واحد من أقدم مطاعم المدينة إذ يعود تاريخه إلى أكثر من 120 عامًا.

عائلة التيتي من أوائل العائلات التي أقامت مطاعم للمأكولات النابلسية التقليدية في أرجاء نابلس حيث بلغ عددها ستة مطاعم، ومع تعاقب السنين أغلق معظمها وبقي محمود محافظًا على آخر مطعم للعائلة ورثه عن أبيه.

منذ أن كان محمود في الثامنة عشرة من عمره، لازم والده وتعلم على يديه كيفية صناعة الطعام النابلسي، ولا يزال يحافظ على نكهات الطعام الذي اعتاد والده صنعه حتى بعد وفاته منذ أكثر من 40 عامًا.

مطعم التيتي هو مطعم الرؤساء والمشاهير، فقد زاره العديد منهم لتذوق الأطباق الشعبية الفلسطينية، كملك الأردن الراحل الحسين بن طلال، والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبو عمّار)، كما يقول محمود (60 عامًا).

ويضيف لـ"فلسطين": "المطعم افتتحه عم أبي ومن ثم انتقل إليه، وأنا ورثت المكان والمهنة عنه. يعني أنه مر على هذا المطعم ثلاثة أجيال من عائلة التيتي، واليوم أسلم الأمانة لأولادي من بعدي حيث أحرص على مشاركتهم العمل في المطعم، وتعليمهم سر المهنة".

ويتابع: "مرت البلدة القديمة وما تزال تمر بظروف صعبة للغاية بسبب قلة الحركة الشرائية، فالكثير من المحلات التجارية أغلقت، ولكني رفضت إغلاق المطعم رغم الإغراءات المالية الكبيرة التي عرضت عليّ، وتمسكت بإبقائه كمعلم تراثي نابلسي".

جدران تحكي الزمن

للوصول إلى المطعم عليك السير بممر ضيق يأخذك إليه مساحة صغير تضم العالم بين جنباتها، حيث تضج جدرانه وسقفه بتحف ولوحات تشير للعديد من دول العالم، دون المس بطابع المطعم الأثري الفلسطيني القديم.

فكرة أن يجمع محمود العالم بين زوايا مطعمه جاءته أثناء تجاوله في أحد الأحياء الشعبية بمصر، إذ يروي قائلًا: "زرت الكثير من الدول العربية، وقبل 30 عامًا زرت مدينة القاهرة شاهدت نموذجًا لمطعم كل ما فيه يدل على التراث المصري الفرعوني القديم، أعجبت بالفكرة، وأردت تطبيقها في مطعمي لإضفاء لمسة خاصة عليه، وليكون مكانًا جاذبًا للزبائن، والسياح".

ويردف محمود: "جمعت هذه التحف واللوحات على مدار سبع سنوات، وجعلت المطعم كأنه صورة مصغرة عن متحف يضم العديد من حضارات بلدان العالم".

يصنع محمود بمساعدة عامل وأبنائه، الفطور النابلسي الذي يتمسك بضرورة حضوره الدائم على طاولات المطعم إلى جانب العديد من الأطباق التركية والشامية التي تعلم صنعها من والده.

ولدى سؤاله عن أشهر أطباق الإفطار والغداء التقليدية التي يعدها، رد: "أصنع أكل ستي وستك، أصنع العجة النابلسية، والخِطلة، والمتبل بأنواعه بداية من البابا غنوج، والزعترية، والزيتونية، والمحمرة، والشكشوكة، والبطاطس، والحمص".

أما وجبات الغداء، التي يطلبها منه السياح والفلسطينيون من أنحاء الضفة الغربية بما فيها القدس، والأراضي المحتلة عام48م، فتُعد وجبات المنسف، والمسخن على الفحم، والمعجنات، والشاورما، والمشاوي، والدجاج المشوي، والسمك، أطباقًا أساسية دائمة الحضور في المطعم.

رواد مطعم التيتي هم الذواقة الذي يحنون إلى أطباق تنعش ذاكرة الزمان والمكان في مخيلتهم.

والذكريات التي حملها الجيل الجديد ينقلونها لجيل الحداثة هي أكثر ما يسعد قلب محمود التيتي، حيث مستذكرًا موقفًا عندما زار المطعم قبل سنوات وفد شبابي من أنحاء مختلفة من فلسطين، وبعد أن التقطوا الصور وشاركوها مع ذويهم، تفاجأ بإحدى الشابات أن جدها قد تعرّف إلى المكان في الصورة وأخبرها أنه تناول فيه وجبات الفطور إبان الحكم العثماني لفلسطين.

ويقول محمود إنه يريد للمطعم أن يبقى معلمًا خالدًا ومميزًا للمدينة، ويترك بصمته الخاصة في قلوب زائريه.