"بطّلنا الدَين".. بهذه الكلمات التي حملت بين طياتها استخفافًا واستهزاءً بالسلطة غرد الوزير المتطرف في حكومة الاحتلال الإسرائيلي بتسلئيل سموترتش، عقب قراره البدء باقتطاع عشرات ملايين الشواقل من عائدات الضرائب الفلسطينية لصالح "ديون شركة الكهرباء الإسرائيلية".
ورأى مراقبون تحدثوا لصحيفة "فلسطين" أن اقتطاع الأموال الفلسطينية جاء نتيجة تعميق السلطة لارتباطها الاقتصادي مع حكومة الاحتلال التي تقوم بابتزازها اقتصاديًّا وسياسيًّا.
وأشاروا إلى أن هدف القرار الإسرائيلي إبقاء السلطة في حالة من الارتباك الداخلي ولا تتجاوز لأولوياتها في تأمين الرواتب والاحتياجات الأساسية وممارسة دورها الوظيفي بحماية الأمن الإسرائيلي.
وبحسب صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية فإن وزارة المالية "وجدت بندًا في اتفاقية أوسلو يتيح لها خصم ديون شركة الكهرباء من عائدات الضرائب الفلسطينية".
وذكرت الصحيفة أن الوزارة ستبدأ قريبا باقتطاع ما بين 20-30 مليون شيقل شهريًا من عائدات الضرائب الفلسطينية؛ لتحصيل ديون الكهرباء المتراكمة على السلطة والتي تزيد على 2 مليار شيقل.
تأثيرات كبيرة
وأوضح الخبير الاقتصادي سامح العطعوط، أن اتفاقية باريس الاقتصادية التي تنظم ضريبة (المقاصة) فإنها لا تجيز للاحتلال تحويل أموال من الضريبة.
وذكر أن الاتفاقية ربطت الاقتصاد الفلسطيني بالإسرائيلي كجزء من مخطط الاحتلال بعدم استقلالية القرار السياسي والاقتصادي الفلسطيني.
وعدّ العطعوط قرار سموتريش قرصنة مالية وشكلًا من أشكال الابتزاز.
اقرأ أيضًا: "أموال المقاصة".. السلطة تعجز عن مواجهة اقتطاع الاحتلال أموال شعبنا
ورأى الخبير الاقتصادي د.نصر عبد الكريم، أن القرار يأتي في إطار سلوك الحكومة العنصرية مع السلطة، ورفضها تقديم تسهيلات معيشية واقتصادية لشعبنا.
ورأى عبد الكريم أن القرار يأتي في إطار التضييق على الشعب، "فكلما يكون الحيز أضيق عند السلطة ومواردها المالية أقل .. تصبح إلى حد كبير عاجزة عن تلبية احتياجات المواطنين والموظفين ووضعها بموقف محرج وإضعافها".
واعتبر القرار الإسرائيلي إجراء غير قانوني، وأن جزءًا منه "قرصنة" لم يسبق حتى لأي حكومة إسرائيلية اتخاذه.
وأشار إلى أنه قبل اتفاق (أوسلو) كان الاحتلال يتعامل مع الشركة مباشرة، معتقدًا أن القرار الإسرائيلي سيجلب تدخلًا أوروبيًّا وأمريكيًّا خاصة أنهما حريصتان على استقرار السلطة.
ولفت عبد الكريم إلى أن القرار الإسرائيلي يندرج تحت معادلة "الاقتصاد مقابل الأمن"، فـ"الاحتلال يرفض الحديث عن تسوية سياسية ويقوم بفرض عقوبات اقتصادية على السلطة لضمان تبعيتها".
وتصل قيمة ضريبة المقاصة شهريًا التي تحصل عليها السلطة، وفق عبد الكريم، 900 مليون شيقل يخصم الاحتلال شهريًّا نحو 200 مليون شيقل مقابل مخصصات الأسرى، والقرار الجديد يضيف 30 مليون شيقل للمبلغ المخصوم.
"العصا والجزرة"
وربط الكاتب والمحلل السياسي عمر عساف القرار بسياسة "العصا والجزرة" التي يستخدمها الاحتلال مع السلطة ويلوح بإمكانية التضييق عليها بالاحتياجات الأساسية.
اقرأ أيضًا: اقتصاديون: السلطة ستغضُّ الطرف عن قرصنة الاحتلال أموال المقاصة
وأشار عساف إلى أن الاحتلال "يريد السلطة والحفاظ عليها ووجودها ودفعها للقيام بمهامها الأمنية، إلا أنه يبتزها بخلق ضائقة مالية تجعلها تمارس دورها الوظيفي بحفظ الأمن للمستوطنين بالضفة".
وقال: إن "سلوك السلطة بالتعامل مع ملف الكهرباء بالضفة يشوبه القصور والضعف"، سواء فيما يتعلق بأسعار الكهرباء المرتفعة أو تقيد نفسها باتفاقية باريس الاقتصادية التي جعلتها تستهلك الكهرباء ولا تنتجها.
ويعتقد أن السلطة تدفع ثمن تعميق ارتباطها الاقتصادي مع الاحتلال، وأن هذا الارتباط هدفه بالأساس سياسيًّا "بأن لا تستطيع السلطة اتخاذ مواقف سياسية التي من شأنها الابتعاد عن الاحتلال ومعارضته".
وأكد عساف أن الاحتلال يسعى دومًا لإحكام سيطرته على السلطة "حتى يستطيع بأي لحظة تضييق الخناق عليها بالقدر الذي يريده أو تخفيف هذا التقييد متى شاء".