تشهد الحلبة السياسية والأمنية الإسرائيلية منذ أسابيع حراكًا لا تخطئه العين بشأن إنضاج صفقة ثقيلة العيار مع السعودية، تتضمن تطبيعاً معها، سيمثل للاحتلال "هدية السماء"، كون الحديث يدور عن المملكة ذات التأثير السياسي والنفوذ المالي والمكانة الدينية.
تصل التوقعات الإسرائيلية في تفاؤلها عند الحديث عن اتفاق ثلاثي وشيك أمريكي سعودي إسرائيلي، بأنه لن يكون أقل دراماتيكية من اتفاقيات التسوية مع مصر والأردن، وأكثر أهمية من باقي اتفاقيات التطبيع اللاحقة مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، بزعم أنه قد يشكل بداية لشرق أوسط جديد.
اقرأ أيضًا: السعودية تُعِدُّ صفقة ضخمة للفلسطينيين!
اقرأ أيضًا: التطبيع بين غضب الشعب الليبي وموقف "سلطة رام الله"
صحيح أن هناك خلافات جادة حول قضايا أساسية ما زالت في طور مناقشتها وبحثها بين مختلف الأطراف، لكن الوسطاء الذين يطيرون بين تل أبيب والرياض وواشنطن، يسعون إلى إنضاج الصفقة بإيجاد تسوية للمطالب السعودية المتعلقة بالبرنامج النووي "السلمي"، والحصول على الأسلحة الأمريكية "النوعية"، والعثور على "حلٍّ ما" للقضية الفلسطينية. هنا ربما نفهم سبب اللقاءات الفلسطينية السعودية المفاجئة في الأيام الأخيرة، مع العلم أن مثل هذه الصفقة الموعودة قد تقرب الاحتلال من بداية الحل للصراع مع الفلسطينيين، من وجهة نظره الأحادية التي تنتقص من حقوقهم، وهو ما كان يسمى ذات يوم بالأفق السياسي، مع العلم أن هذه الصفقة برمّتها لا تخفي في طيّاتها ما تحمله من تكاليف وتنازلات يصفها الإسرائيليون بـ"الباهظة"، وبعضها يبدو مستحيلاً اليوم، ولا سيما وأنها مطلوبة من الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ الاحتلال، ما قد يعرّض استقرارها للخطر، لأن المطالب السعودية تتطلع لوقف البناء الاستيطاني في الضفة الغربية، وربما إزالة البؤر غير القانونية، التي لن تكون قادرة على البقاء كما هي اليوم.
وفيما سيتعين على أمريكا أن توافق على منح القدرة النووية المدنية للمملكة، فإن الكونغرس يبدو بعيدًا عن منح هذه الموافقة، إلا إن تدخل نتنياهو ذو العلاقات الوثيقة فيه، وقد يحتاجه بايدن لتمرير هذه الموافقة، من يصدق أن يصبح نتنياهو عرّابًا لبايدن في الكونغرس؟ سبق لهذه السطور أن ناقشت مصالح الأطراف المختلفة من هذه الصفقة، لكن الجديد اليوم أن هذه الأطراف الثلاثة، الرياض وتل أبيب وواشنطن، قد تكون محتاجة لمثل هذا الاتفاق المستقبلي كالهواء الذي تتنفسه، فبايدن لديه انتخابات في نوفمبر، ويحتاج لإنجاز، ونتنياهو يشكل الاتفاق له أمراً بالغ الأهمية للبقاء، أما بن سلمان فهو يعتبره بطاقة الدخول للأسرة الدولية، ويستعدّ للأيام التي قد يكون النفط في الرمال فاقدًا لأهميته، في المقابل فإن القضية الفلسطينية والمنطقة العربية عمومًا، ستكونان الخاسر الأكبر لأن مثل هذه الصفقة ستفتح الأبواب مشرعة أمام الاحتلال لمزيد من اختراقها، والعبث فيها، نحو مزيد من الخراب وافتعال الحروب البينية.