فلسطين أون لاين

تقرير "ترك السيطرة".. تعلُّمٌ لفن الاستسلام يحقق التوازن في الحياة

...
"ترك السيطرة".. تعلُّمٌ لفن الاستسلام يحقق التوازن في الحياة
غزة/ هدى الدلو:

الرغبة في السيطرة على كل شيء هي أمرٌ يعانيه كثير منا، نجد أنفسنا غالبًا نحاول التحكم في كل تفاصيل حياتنا، من التخطيط الدقيق للمستقبل إلى السعي لتنظيم كل جانب من جوانب حياتنا اليومية، وعلى الرغم من أنها قد تكون مفيدة في بعض الحالات، لكنها قد تمثّل مصدرًا للضغط والتوتر عند الفشل بالسيطرة على الآخرين والبيئة المحيطة.

قلق وتوتر

الشابة الثلاثينية مريم مسعود باتت تعيش حياة مليئة بالتوتر والقلق بسبب رغبتها الشديدة في السيطرة على كل جانب من جوانب حياتها، فهي منذ صغرها كانت تسعى دائمًا لتحقيق الكمال في كل ما تفعله.

تقول لصحيفة "فلسطين": "في طفولتي كنت متفوقة وأحصل دائمًا على أعلى الدرجات في المدرسة، وأهلي يفخرون بي، إلى أن بدأتُ أشعر بالضغط الشديد من والديْ والمعلمين للحفاظ على هذا الأداء المتميز".

بينما في الجامعة، حافظت مسعود على نفس النهج، وكانت دائمًا تأخذ مسؤولية المهام الجامعية والمشاريع عن صديقاتها، فبدأت تشعر بأنها تحتاج إلى السيطرة على تفاصيل حياتها الشخصية أيضًا، فكان تخطط بدقة لجداول يومها وحتى لساعات نومها.

وتوضح أن في حياتها المهنية استمر سعيها للكمال، وكانت من ضمن أولئك الذين يجلسون في المكتب حتى ساعات متأخرة لضمان أن كل شيء على ما يرام، ورغم أنها تعمل ضمن فريق إلا أنها تحب السيطرة على كل شيء.

باتت تعاني تأثيرات سلبية على صعيد صحتها ونفسيتها فتشعر بالإرهاق المستمر وضغط العمل، وبدأت علاقاتها الاجتماعية تتأثر بسبب عدم تخصيص وقت للحياة الاجتماعية، إلى جانب مشاعر الضغط والتوتر.

حياة متوترة

ومن جهته، يتحدث الاختصاصي النفسي زهير ملاخة أن من أهم مصادر السعادة لدى الإنسان الاستقرار والشعور بالأمان النفسي، وتكيفه الإيجابي مع البيئة المحيطة بحسن التأثر والتأثير والأخذ والعطاء وتقبُّل الأعذار واللين وغيرها من القيم التفاعلية والحياتية التي تجعل الحياة أكثر جمالًا واستقرارًا وهدوءًا.

ويقول: "ولكن في المقابل نجد البعض يمتاز تفكيره بـ"الحدية" والرغبة بل والعمل على أن يكون كل شيء كما يريد هو وتحت سيطرته وبناء على ما يراه هو مناسب".

وترجع رغبة البعض في السيطرة إلى عوامل متعددة، منها أن تعطيه شعورًا بالأمان، وأنه قادر على تجنب المفاجآت السلبية، وتجنب الفشل، كما قد يكون للضغوط الاجتماعية دور في هذه الرغبة.

ويوضح ملاخة أن تعامل الشخص مع الحياة التي تحيط به بهذا الشكل من التفكير يؤثر سلبيًّا على صاحبه والمحيطين به، حيث يجعله يعيش في حالة من القلق والتوتر والانفعال الدائم والمستمر، بالإضافة إلى الضجيج وعدم الراحة في العلاقات مع الآخرين، كون "الأنا" ستكون حاضرة في تفاصيل العمل المباشر أو غير المباشر.

ويشير إلى أن هذا الشكل من التفكير لا تصلح للعمل الجماعي والتكاملية في الأدوار، حيث تتسبب بحالة من النفور والتوتر لكونها تترافق مع سلوكيات سلبية كالغرور والأنانية وحب الظهور وجشع الأنا غير المقبولة في العمل الجماعي الإيجابي.

وبيَّن أهمية التخلص من هذا النسق من التفكير والأطباع السيئة التي تدفع بصاحبها لممارسة السيطرة والتحكم الكامل لتحقيق ما يريد، ومحاولة تطويع المحيط كأدوات حوله لتحقيق مآربه، من خلال استبصار النفس وإعادة ترتيبها وتعديلها بالشكل المقبول الإيجابي.

وقال: "على الإنسان مراقبة سلوكياته، وتدريب النفس والعقل على الطريقة الصحيحة في التعامل مع الآخرين للوصول إلى تواصل فاعل إيجابي مقبول يصنع المحبة والسعادة والأمان".

وأضاف: "كما يجب تقبُّل الذات ومعرفة نقاط ضعفها والإيمان بتفاوت القدرات والتعامل مع ذلك بتقبُّل ورضا، وتطوير ما يمكن تطويره دون أي مشاعر سلبية تعتلي النفس وتؤثر على التفكير، تدريب وتهذيب الذات ونظمها بالقيم الدينية والأخلاقية السامية التي تزيدها جمالًا وسعادةً وتقبلًا.