فلسطين أون لاين

تقرير "اشتية".. يشق طريقه عبر الجبال حفاظًا على أرضه

...
"اشتية".. يشق طريقه عبر الجبال حفاظًا على أرضه
نابلس/ غزة – فاطمة الزهراء العويني:

منذ تقاعده من سلك التعليم تفرغ "باسم اشتيه" لهدفٍ واحد وهو مقارعة الاستيطان الإسرائيلي الذي يحاول جاهدًا سلب أرضه وأراضي أقاربه في قرية سالم نهائيًّا، فرغم كبر سنه إلا أنه يخوض طُرقًا وعرة للوصول لأرضه وتثبيت وجوده فيها رغم المنع الإسرائيلي.

التسلل خفية

تحدثنا معه وقد أنهى لتوه قطف محصول التين من أرضه بعد أنْ تسلل خفيةً لها عن عيون جنود الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه الذين يحولون بين أهالي قرية سالم وأراضيهم منذ شقوا شارعًا التفافيًا استيطانيًا لمستوطنة "الون موريه" عام 2000م جعل قرابة ثلثي أراضي القرية بعيدة عن متناول أصحابها، ولا يمكنهم دخولها إلا بإذن إسرائيلي لا يحصلون عليه سوى عدة أيام في السنة.

فمنذ ساعات الفجر تبدأ رحلة "النتشة" في الطرق الوعرة والبديلة على ظهر دابته، محاولًا التخفي عن عيون الاحتلال ومستوطنيه، في مغامرات تنجح أحيانًا وتُخفق أخرى للوصول لأرضه، فإذا ما نجح بالوصول بعد تعبٍ ومشقة فإنه يسابق الوقت في اقتلاع الصخور وتفتيتها وبناء السلاسل الحجرية حولها.

ويُقطِّع اشتية الصخور بمعداته البسيطة بمساعدة الشباب من أقاربه، الذين يرقبون له الطريق وفي حال قدوم أي مركبة لجيش الاحتلال، يجمعون المعدات ويدفنونها في باطن الأرض ثم يغادرون المكان فورًا.

هذه السلاسل هي سلاح النتشة في وجه الاستيطان، فهو يريد إرسال رسالة للاحتلال ومستوطنيه بأن أرضه غير مهجورة وأنه باقٍ فيها، كي لا يتذرعوا مستقبلًا بهذه الحجة لمصادرتها فهذا السيناريو بالنسبة لـ"النتشة" نزع الروح من الجسد أهون منه.

ويقول: "أحاول حراثة الأرض بواسطة المِحراث اليدوي الذي يجرّه الحمار، حيث أنه يُحظر علينا استخدام الجرار الزراعي إلا في أوقات التنسيق".

ويمتلك النتشة وأشقاؤه قرابة خمسين دونمًا يحد الاحتلال من وصولهم لها حيث لا يسمح لهم بذلك إلا في أيام معدودة لا تكفي للحراثة والزراعة وقطف المحصول، "أتمنى أنْ أصحو كل صباح مصطحبًا فطوري وإبريق الشاي لأرضي، أقضي فيها نهاري حتى المساء، بين حراثة وقطف للمحاصيل، أمتلك خمسة عشرة دونمًا من المفترض أن تكون جنة خضراء لكنني اليوم أذهب إليها خفية فلا يصلها من العناية إلا أقل القليل".

عصب الحياة

ويضيف:" ترعرعتُ في أسرة تعشق الأرض ومرتبطة فيه، منذ الأجداد وحتى الآباء، نزرع الزيتون والتين واللوزيات التي هي عصب الحياة لدينا، ورثتُ عنهم حب الأرض والارتباط بها فمنذ العاشرة وأنا أرافق والدي للأرض، ورغم انشغالي لاحقًا بالوظيفة في سلك التعليم إلا أنني لم أتركْ أرضي، وبعد تقاعدي تفرغتُ لها".

ويلقب "النتشة" في قريته بـ"حارس الأرض" لحرصه الشديد على أرضه في وجه الاعتداءات التي لا تنتهي للاحتلال ومستوطنيه، والمشقة الكبيرة التي يتكبدها في رحلته اليوم في التربة الصخرية للوصول لها، وحرصه على ربط الجيل الشاب من عائلته بها.

ويقول: "كثيرًا ما يأتيني جنود الاحتلال أو حارس المستوطنة لطردي من الأرض، وكثيرًا ما تعرضتُ للاحتجاز لساعات طويلة وأحيانًا للاعتقال، وفي إحدى المرات حاول أحد الجنود قتلي، ومستوطن اعتدى عليّ بالضرب".

معاناة مستمرة

ويتابع النتشة: "معاناتنا يزيد عمرها على ثلاثة وعشرين عامًا، فقد أصبحت قرابة سبعة آلاف دونم مملوكة لأهالي القرية معزولة خلف الشارع الالتفافي، لا نصلها إلا عبر تنسيق مع الإدارة المدنية الإسرائيلية ولا تتجاوز ثمانية أيام، أربعة منها لحراثة الأرض ومثلها لقطف الزيتون".

ويشير إلى أن هذه الأيام لا تكفي للعناية بالأرض التي تحتاج إلى اهتمام طوال العام، فهي تحتاج لتنظيف التربة من النباتات الضارة والأشواك، ولبناء الجدران الاستنادية والسلاسل الحجرية لمنع انجرافها، كما أن الأشجار بحاجة إلى تقليم لإزالة الفروع التالفة، وتطعيم لوقايتها من الآفات ما يضمن استمرار نموها ويحسن إنتاجيتها.

وحتى الأيام القلائل التي يمنحها الاحتلال لهم إلى الوصول لأرضهم فإنه يتعمد أحيانًا أن تكون بعد انتهاء الوقت المناسب للحراثة، أو قد يباغتهم فجأة في أثناء وجودهم في الأرض ويجبرهم على مغادرتها.

ويُردف بالقول: "أيام التنسيق لا تكفي لإنجاز العمل في خمسين دونمًا لعائلتي تحتوي جميعها على أكثر من ألف شجرة زيتون، فهي تحتاج إلى العمل قرابة شهر على الأقل".

ويحاول مستوطنو "ألون موريه" الاستيلاء على أرض "النتشة" وغيره من أهالي القرية، حيث أقاموا بؤرة استيطانية مؤخرًا عبارة عن "كرفانات" يشنون منها اعتداءات متكررة على المزارعين وأراضيهم في محاولة منهم لدفعهم لتركها، فهم يسلبون خيراتها بين الحين والآخر، عدا عن قيامهم باقتلاع أشجارها وتخريبها بواسطة الرعي الجائر لأغنامهم.