ليست المرة الأولى التي يظهر فيها رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو يهدد ويتوعد قادة المقاومة، وبأسمائهم، بالاغتيال والتصفية، رغم علمه ومستشاريه الأمنيين والعسكريين أن تجديد سياسة الاغتيالات كفيل بتعقيد الأوضاع في الأراضي المحتلة، أكثر من تعقيدها الحالي؛ فما كان ينفع في الانتفاضة الثانية، باعتماد سياسة الاغتيالات ضد قادة المقاومة، قد لا يكون مجديًا اليوم بعد مرور كل هذه السنوات، رغم أن هذه السياسة الدموية مسألة ممكنة وواردة من الناحية العملية.
الحقيقة التي يهرب منها نتنياهو و"جيشه وشاباكه وموساده" أن هذه الوسيلة بالذات، وهي الاغتيالات، لم تعد بيدهم وحدهم، فالأوضاع في الأراضي الفلسطينية تغيرت، وما تشهده في الداخل قد ينتقل للخارج، ما يضع علامات استفهام عديدة وشكوك كبيرة بأن تكون الاغتيالات مجدية لحفظ أمن الاحتلال، على العكس فإنها قد تضر أكثر مما تنفع، صحيح أن المقاومة لن تخفي خسارتها من استشهاد أيّ من قادتها، لكنها بعد أيام قليلة سيأتي ردها المتوقع.
مع أنه تزامن مع تهديد نتنياهو لقادة المقاومة بالملاحقة والتصفية، بدأت الأوساط الاسرائيلية تبحث خيارات الردّ المتمثل بإمطار تل أبيب بزخات من قذائفها الصاروخية، وهذا الاحتمال الأخف، وهناك إمكانية للدخول في حرب جديدة، وهو الاحتمال السيء.
اقرأ أيضًا: اللا "الإسرائيلية" يكررها نتنياهو بفجاجة
اقرأ أيضًا: الوحش الذي ربّته (إسرائيل) ينقلب عليها
اللافت أن هناك قناعة إسرائيلية لا تخطئها العين مفادها أن الاغتيالات التي يهدد بها الاحتلال لا تسعى للقضاء المبرم على المقاومة، بل لتهدئة الإسرائيليين المذعورين، والإثبات أن الأمن ما زال فعّالًا، وهو الذي يتلقى مزيدًا من الضربات في الشهور الأخيرة، أي أن هذه الاغتيالات، وباعتراف الاحتلال نفسه لا تتجاوز كونها "المهدّئ القومي لليهود الخائفين".
مراجعة عاجلة لحصاد سياسة الاغتيالات الإسرائيلية في السنوات والعقود الماضية تثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن المقاومة لا تواصل عملياتها وهجماتها فقط، بل إنها تنجح بإقامة ميزان من الردع والتهديد مع جيش الاحتلال الأكبر والأخطر في المنطقة.
مع العلم أن هناك العديد من نماذج عمليات الاغتيال الفاشلة لبعض قادة المقاومة التي وقف خلفها الدافع الشخصي لنتنياهو، بحيث سعى في العديد منها للانتقام منهم، واعتبار الأمر ثأرًا شخصيًا بينهما، ولعلنا هنا نستحضر محاولة الاغتيال الفاشلة لخالد مشعل في 1997، واغتيال الشهيد أحمد الجعبري في 2012، ما يجعل من ذكره لاسم الشيخ صالح العاروري في بيانه الصحفي مقدمةً لتنفيذ تهديده الفعلي.
ولئن شكلت صورة الجعبري مع شاليط عند معبر رفح وصمة في جبين نتنياهو، وإهانة له، فقرر حينها تصفيته، فإن صورة العاروري بزيّه العسكري ردًّا على تهديدات الاحتلال قد تدفعه لذات القرار الذي لن يحقق له أمنًا، ولن يستعيد له ردعًا.