نسفت حكومة نتنياهو في (إسرائيل) ما يُعرف بـ"حلِّ الدولتَيْنِ"، وهو "حلٌّ" مستند لما تسمى "الشرعيَّة الدوليَّة" وقراراتها ذات الصِّلة، وقَدْ وافقت عليه حتى الولايات المُتَّحدة، وتبنَّته، وما زالت تتحدَّث عَنْه باعتباره الأساس لحلِّ القضيَّة الفلسطينيَّة…
لكنَّ الواقع والتطوُّرات التي حفرت أخاديدها على الأرض تشي بشيء آخر. فكُلُّ ما جرى عمليًّا خلال السَّنوات الماضية، وما زال يجري إلى الآن، بمثابة تحطيم للحلِّ إيَّاه، بل وأفرزت الانتخابات "الإسرائيليَّة" التشريعيَّة التي تكرَّرت خمس مرَّات خلال نَحْوِ أربع سنوات، حكومة يمينيَّة ثيوقراطيَّة يتصدَّرها العتاة من المتطرِّفين والمهووسين، ترفض الحلَّ المذكور، وحتى لا تعترف أصلًا بوجود الشَّعب العربي الفلسطيني، وعادت لتطرح جانبًا أساسيًّا من الرواية الميثولوجيَّة الخرافيَّة الصهيونيَّة، وبأبشع صوَرِها، التي تقول بعنوانها العريض "فلسطين أرض بلا شَعب لشَعب بلا أرض".
وقَبل أيَّام، وتحديدًا يوم الاثنين السابع من آب/أغسطس 2023 الجاري، أعاد بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة وزعيم حزب الليكود، في تصريحاتٍ صحافية مُستعجلة، تكرار موقفه الرافض لـ"حلِّ الدولتَيْنِ"، ورفضه لقيام دولة فلسطينيَّة فوق الأراضي المحتلَّة عام 1967 وقِطاع غزَّة وعاصمتها القدس، إلى جانب (إسرائيل)، وقال إنَّه "لَنْ يوافقَ على أيِّ شيء يُهدِّد أمن (إسرائيل)". جاء ذلك في الجزء الثاني من مقابلة أجْرَتها معه وكالة "بلومبرج" الأميركيَّة ونشرتها في اليوم ذاته.
اقرأ أيضًا: البيت الأبيض ينعى "حلّ الدولتين"
اقرأ أيضًا: هل ثمة بديل لحلِّ الدولتين؟
ومن خلال كلامه عَبْرَ تصريحاته المذكورة لوكالة "بلومبرج" الأميركيَّة سعى نتنياهو إلى إعطاء أهمِّية ضئيلة جدًّا لما يسمى "حلِّ الدولتَيْنِ"، بل وقزَّمه، عادًّا قيام دولة فلسطينيَّة هو "خط أحمر"، زاعمًا أنَّ "هذه لَنْ تكُونَ دولة فلسطينيَّة. هذه ستكُونُ دولة بسيطرة خارجيَّة. لتكُونَ دولة إرهاب" على حد زعمه.
وبنفس الوقت دغدغ بموقفه الرافض لـ"حلِّ الدولتَيْنِ" ما تريده أحزاب الائتلاف الحكومي من المُتطرفين من أحزاب الصهيونيَّة الدينيَّة والتوراتيَّة الحريديَّة.
إنَّ فجاجة، تصريحات نتنياهو، بدَتْ كذلك من خلال النَّص الذي أشار فيه إلى: «أنا أقول طوال الوقت إنَّ الطريق الوحيدة التي يُمكِن أن يكُونَ فيها اتِّفاق سلام نهائي مع الفلسطينيين في المستقبل، هو أن تبقَى (إسرائيل) القوَّة الأمنيَّة العُليا في المنطقة، وإلَّا فإنَّنا سننهار، وهم سينهارون أيضًا.
على كُلِّ حال، هذه التصريحات لنتنياهو تنطق بالموقف العلني والباطني على حدٍّ سواء لغالبيَّة القوى والأحزاب السياسيَّة في (إسرائيل)، من الحكومة والمعارضة، بشأن مستقبل الحلِّ مع الفلسطينيِّين وضرورة قيام دولة فلسطينيَّة كشرط أساسي لا بُدَّ مِنه لإرساء عمليَّة تسوية تقود لحلِّ المعضلات التالية في مسار الصراع، وخصوصًا بالنسبة لحقِّ اللاجئين الفلسطينيِّين بالعودة طبقًا لقرارات الأُمم المُتَّحدة وخصوصًا مِنْها القرار 194 لعام 1949 الخاصَّ بحقِّ لاجئي فلسطين بالعودة إلى أرض وطنهم التاريخي.
إنَّ حلَّ الدولتَيْنِ طار تمامًا، ولَمْ يَعُد له من حظٍّ للنجاح، ما دامت قوى اليمين تكتسح الشارع اليهودي على أرض فلسطين المحتلَّة عام 1948 ومعها جمهور المستوطنين في مستعمرات القدس والضفَّة الغربيَّة، وعليه لا يُمكِن إنقاذ هذا الحلِّ إلَّا بالضغط الدولي المؤثِّر على دولة الاحتلال، وبالأخصِّ من قِبل الولايات المُتَّحدة، وبموقف عربي متماسك.