تشكل الضفة الغربية إحدى أولويات حركة (حماس) منذ انطلاقتها لاعتبارات عديدة، منها ديموغرافية، وجغرافية، وتاريخية، وظهر ذلك جليًّا في كلمة رئيس حركة (حماس) في الخارج خالد مشعل خلال مهرجان الأقصى الـ 22 في محافظة الكرك الأردنية، والحديث التلفزيوني للشيخ صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي للحركة.
وبدا واضحاً أن إستراتيجية الحركة في الضفة تقوم على مبدأين: التنبيه من خطة تهجير الفلسطينيين، والعمل على إسقاطها؛ والمبدأ الثاني تصعيد المقاومة مهما كانت التضحيات، وكل مبدأ تخدمه جملة من العوامل والأساليب.
في كتابه “أسرار حرب لبنان” يروي آلان مينارغ أن الرئيس اللبناني الأسبق كميل شمعون نصح مناحيم بيغن “بإعطاء دولة للفلسطينيين، لأن العالم في هذا الزمن غير مهيأ لعملية ترانسفير”، لكن الأمور تغيرت تماماً، فالمجتمع الدولي أثبت قدرته في العقد الأخير خصوصاً على تحمّل مشاهدة اقتلاع الملايين من أرضهم، وعمليات تهجير واسعة، وتطهير عرقي وديني.
وهذا ما أسعد (إسرائيل) التي اعتبرت ضمنيًّا تطبيع “الضمير العالمي” مع هذه المشاهد، يعطيها "شرعية" ما لتنفيذ ما يشبه تلك الفظائع، وخطة “دالت” عام 1948 يمكن تنفيذها في القرن الواحد والعشرين بالضفة الغربية دون محاذير أو ملاحقات قانونية، أو مخاوف من عقوبات دولية، أو تجريم حقوقي.
اقرأ أيضًا: الشيخ صالح العاروري قائد وقاهر
اقرأ أيضًا: تصريحات العاروري ورسائلها
يُضاف أن ابتلاع الأرض، وزحف المستوطنات، وحشر السكان في بُقع جغرافية ضيقة، وسط بطالة عالية، وحرمان من الأراضي الخصبة والمياه الصالحة للشرب، قد يدفع باتجاه “التهجير الاقتصادي”، وهو ما راود القادة الصهاينة بعد عام 1967، وتحدثوا عنه بصورة علانية، لكن مع فشله في عقد السبعينيات، حاولوا تطبيق سياسة “الأبواب المفتوحة” لحرف الناس عن المقاومة، وهو ما فشل أيضاً بفضل عوامل كثيرة، لكن يبدو أنهم عادوا للخطة القديمة اليوم، إذا لم تساعدهم الظروف بتطبيق التهجير العنيف والمباشر.
لا يخفي عدد من الوزراء في حكومة الاحتلال نيتهم ضم الضفة الغربية، وعلى رأسهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، لكنهم لا يرغبون بضم أكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني معها، لذلك فإن التهجير خيارهم، يُضاف إلى ذلك أن العدوان المستمر على الأقصى، وتنفيذ المخططات الموضوعة لاستهدافه، يلزمه تهجير الفلسطينيين الأقرب جغرافيًّا إليه، وهم الذين يسكنون الضفة، ولعبوا دوراً كبيراً في حمايته منذ ثورة البراق عام 1929. لذلك فإن حديث مشعل والعاروري حول التهجير، وما بينهما كلام لعضو المكتب السياسي لحماس عزت الرشق، لم يكن زلة لسان، بل تنبيه مبني على وقائع.
ولمواجهة كل تلك المخاطر، شدد حديثا مشعل والعاروري على المقاومة لصد العدوان، وحماية الأرض. ويُلاحظ أن حركة (حماس) صعّدت من المقاومة في الضفة خلال العامين الأخيرين، وعملت على توحيد الصف دون حرص على تصدّر المشهد، لكن العدد الكبير من شهدائها الذين ارتقوا خلال العمليات يشير إلى موقعها المتقدم في المقاومة بالضفة.
مشعل والعاروري وهما يتحدثان عن المقاومة شدّدا على جملة من الأمور، كان من بينها: الاستعداد الكامل لبذل التضحيات، الوحدة في الميدان حدّ الإشادة بتاريخ فتح ومحاولة حصر جريمة التنسيق الأمني بفئة صغيرة، وإيضاح المخاطر التي توجب رفع مستوى المقاومة، لكن من أهم النقاط التي تحدثا عنها في ميدان المقاومة، هي دعوة “أحرار الأمة جميعًا إلى الوقوف ضد المشروع الصهيوني، فالعدو نقل الصراع نقلة استثنائية، وعليه يجب أن ننقل الصراع نقلة جديدة”.
حركة (حماس) التي رفضت لعقود نقل الصراع إلى الخارج، رغم الاغتيالات التي طالت العديد من كوادرها في الخارج، ومحاولة اغتيال رئيس مكتبها السياسي السابق خالد مشعل في الأردن، وأصرّت على أن صراعها مع العدو محصور داخل فلسطين، إلا أنها اليوم تكرر دعواتها لانخراط الأمّة مباشرة في الصراع لإدراك حجم المخاطر في الضفة والقدس خصوصاً، وأن مشاركة الأمّة ستُشعر العدو بتبعات سياساته، وهناك مؤشرات ظهرت خلال العام الأخير على الأقل تبيّن تعاظم انخراط الخارج في الاحتكاك المباشر مع الاحتلال، حيث يبدو أن الجبهات المشتعلة في وجهه تتزايد.
كلام مشعل والعاروري لا يترك مجالاً للشك أن معركة الضفة الغربية قد انطلقت، وأن حركة (حماس) تحاول أن تحشد لها كل الطاقات، في جغرافية الضفة وخارجها.