فلسطين أون لاين

جمع بين العمل السياسي والنقابي والأكاديمي

تقرير إسماعيل أبو شنب.. 20 عامًا على رحيل "المهندس الأيقونة"

...
المهندس إسماعيل أبو شنب - أرشيف
غزة/يحيى اليعقوبي:

عرف برؤيته وحنكته الثاقبة، وكان يلقب بـ"صمام الأمان" للشعب الفلسطيني، فقد جمع الشهيد المهندس إسماعيل أبو شنب بين العمل النقابي والأكاديمي، والسياسي، والاجتماعي، وبات أيقونة بارزة ومحطَّ إجماع وطني بشكل لافت.

طاف أبو شنب قطاع غزة لمنع التصادم الداخلي، وترسيخ الوحدة، حتى أنه بيوم اغتياله في 21 أغسطس/آب 2003، كانت إرهاصات التصادم تفوح في الأفق مع تواصل تهديدات السلطة باقتحام بيوت قيادات حركة المقاومة الإسلامية حماس واعتقالهم على خلفية إطلاق صواريخ على مستوطنات الاحتلال.

واغتال الاحتلال بطائراته أبو شنب وهو يستقل سيارته في شارع الصناعة غرب مدينة غزة واثنين من مرافقيه، وذلك في أثناء خروجه من منزله لمقابلة زياد أبو عمرو (أحد وزراء حكومة محمود عباس آنذاك)، وهو ما جعل السلطة تتراجع عن توجهها ضد المقاومة، فحقنَ بدمائه نار الفتنة بين الشعب الفلسطيني.

بداخل خيمة للاجئين بمدينة غزة ولد أبو شنب عام 1950، بعد تهجير عائلته من قرية "الجية" القريبة من عسقلان بعد أقل من عامين على النكبة، ليحمل همَّ الخيمة التي رمزت إلى اللجوء معه في حياته، وعاش حياة الفقر والتشرد التي كانت القاسم المشترك بين اللاجئين.

درس المرحلة الابتدائية في مدرسة النصيرات التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وبعد وفاة والده كان إسماعيل أكبر إخوانه سنًا، فانتقل مع أسرته للعيش في مخيم الشاطئ للاجئين غرب غزة، لوجود معظم أقاربه هناك، حيث أكمل دراسته الإعدادية في مدرسة غزة الجديدة عام 1965، ومن ثم التحق بمدرسة فلسطين الثانوية وكان من الطلاب المتفوقين.

اقرأ أيضاً: أبو شنب والعطار وأبو شمالة.. ذكريات التضحية والبطولة 

تخرج أبو شنب من كلية الهندسة في جامعة المنصورة عام 1975، بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف وكان الأول على دفعته ليعود إلى قطاع غزة، حيث عمل مهندسًا في بلدية غزة لمدة خمس سنوات، وكان من القادة القلائل الذين أبدعوا في الجمع بين تخصصهم ومشاركتهم السياسية، إذ تقلّد مناصب كبيرة في حركة حماس.

 

الأب القدوة

بالرغم من كل ما اتصف به في الخارج من مكانة قيادية بارزة، كان في البيت "الأب القدوة"، تزيح زوجته أم حسن الستار عن شخصيته في البيت في حديثها لصحيفة "فلسطين" في الذكرى الـ20 لاستشهاده، بقولها: "الإنسان الناجح يحكم عليه من نجاحه في بيته، فبالرغم من كل انشغالاته في الخارج كان حاضرًا معنا، يعرف كل شيء عن أولاده، الدروس ومواعيد الامتحانات، ولم يكن مشغولًا عنهم".

اختار أبو شنب "التعليم بالقدوة" منهجًا تربويًا لأبنائه، ترجع بها الذاكرة لصور من تلك الأيام: "كان يقول لهم: تعالوا نصلي، ويصطحبهم معه إلى المسجد وهم في عمر أربع سنوات لربطهم فطريًا به، كذلك الأمر في صلة الأرحام وغيرها من الأمور، عودهم على الصراحة وعدم الكذب".

ودرس أبو شنب في جامعة النجاح بمدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، وكان قائمًا بأعمال رئيس قسم الهندسة المدنية في الفترة ما بين 1983- 1987، وعمل لمدة عام بعدها مهندسًا بوكالة "أونروا" في غزة، حتى اعتقل.

لم تكن حياة "أم حسن" خالية من التضحيات، فزوجها تعرض للملاحقة واعتقل لدى الاحتلال في 30 مايو/أيار 1989، تتوقف هنا: "كان الحكم الفعلي 12 عامًا، لكنه أمضى 8 سنوات، عزل فيها عامين في زنازين العزل الانفرادي، أذكر أنهم سمحوا لنا بزيارته للمرة الأولى بعد ستة أشهر من اعتقاله".

وحينما كان مقررًا الإفراج عنه في يوم محدد، وتجهزت لذلك مراسم استقبال وطنية، تعمد الاحتلال تنغيص فرحة استقباله بتأجيل موعد الإفراج عنه دون تحديد اليوم، تستحضر زوجته تلك التفاصيل: "وجدناه يطرق باب البيت في 4 فبراير/شباط 1997، كانت مفاجأة جميلة أيضًا، لكن الاحتلال هدفَ إلى عدم استقباله شعبيًا".

 

البيت الجديد

بعد خمسة أيام من انتقال أبو شنب وعائلته إلى منزل جديد، حدثت جريمة الاغتيال، تلتصق تلك الليلة بذاكرة زوجته: "شهد اجتماعًا للمكتب السياسي بمنزلنا الجديد، وزارتنا شقيقته للمباركة بالانتقال للبيت".

تكمل: "كان أبو حسن يعلم بوجود نوايا شريرة، وذلك مع انتشار أجهزة أمن السلطة لاعتقال القيادات، وذهب للاجتماع مع زياد أبو عمرو في عهد الرئيس ياسر عرفات، فجرى اغتياله وقد حقن الدماء، إذ كانت السلطة تحضر لاقتحام بيوت القيادات واعتقالهم (..) كان لديه نظرة بعيدة للخلاف الفلسطيني، يريد أن تكون الفصائل كافة موحدة لمواجهة العدو الإسرائيلي المشترك".

حملت "أم حسن" هم تربية أبنائهما الثمانية، وهم: حسن الذي استشهد في أثناء العدوان على غزة عام 2008، وحمزة ومحمد، وبناته الخمس: غادة، ودعاء، وإسراء، وهبة، ومسك.

لم تمر ذكرى الاستشهاد الـ20 عادية على العائلة، فثلاث من بناته تخرجن من الجامعة هذا العام، وكان والدهن الغائب الحاضر في فرحة ممزوجة بغصة الفقد.

على خشبة حفل التفوق، نادى عريف الحفل على الطبيبة "هبة إسماعيل أبو شنب" لتتسلم شهادة التخرج بعد سبع سنوات من الدراسة، مرت الأيام والسنوات وكبرت تلك الطفلة التي لم يزد عمرها آنذاك عن أربع سنوات لحظة استشهاد والدها، وأصبحت طبيبة لـ"ترضي روح والدها"، وفي العام نفسه تخرَّجت ابنته "مسك" من كلية الحقوق، وأيضًا حصلت ابنته إسراء على الدكتوراة في الهندسة المدنية، وهو تخصص والدها ذاته.

تستذكر "أم حسن" ما كان يقول زوجها عن ابنته هبة: "ستكون هذه البنت متفوقة، وستكون شاطرة كتير لما تكبر"، ولطالما كانت توصي أبناءها مخاطبة إياهم مرارًا: "أنتم تحملون روح والدكم الشهيد بأعناقكم، تعملون لإرضاء روحه بالجنة، وتُكملون الطريق من بعده".

يقول عنه د. أحمد أبو حلبية: إن الشهيد أبو شنب امتاز بالخلق والأدب في تعامله مع الناس وخاصة الخصوم، كان محبوبًا لدرجة أن بعض قيادات الخصوم بكوه يوم استشهاده.

وأضاف النائب أبو حلبية، الذي كان قريبًا من الشهيد القائد، لصحيفة "فلسطين"، أنه عندما أصبح أبو شنب نقيب المهندسين لمدة أربع سنوات كان مثالًا للإدارة الناجحة وعدم التمييز بين المهندسين حسب انتمائهم، لذلك كان محبوبًا من الجميع.

على المستوى القيادي في حركة حماس، وصل أبو شنب لأعلى المناصب، فقد أدار الحركة بعد اعتقال الشيخ أحمد ياسين عام 1988، "تلك الفترة كانت صعبة لأن الاحتلال كان يوجه ضربات للحركة، وطالت الاعتقالات أبو شنب الذي كان مثالًا للعمل والالتزام على مستوى الدعوة والهيئة الإدارية وعلى المستوى السياسي"، يقول أبو حلبية.