في الوقت الذي تواجه فيه دولة الاحتلال أيامًا مضطربة، وأزمة مستحكمة، فمن الواضح أنها تعيش في زوبعة لا يبدو أنها ستتوقف في وقت قريب، وهناك تقديرات، وإن كان مبالغًا فيها تتحدث أنها قد تؤدي لانهيارها، أو تفككها، مع توفر قناعات إسرائيلية تزداد مع مرور الوقت، وإن لم يصرحوا بها علانية، تشير بإصبع الاتهام في المسئولية عن هذه المآلات الصعبة إلى الاحتلال بحدّ ذاته، الموصوف بـ"النواة الخبيثة".
صحيح أن أساس الاحتجاجات الإسرائيلية تتعلق بتخوف المعارضة من إقدام اليمين على تغيير وجه الدولة، لكن وجهها الآخر هو الحيلولة دون تحقق رغبة القيادة الاستيطانية بممارسة السلطة التي اكتسبتها، والقيام بما يحلو لها في الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك انتهاك حقوق الفلسطينيين، وتنفيذ إرهاب الدولة ضدهم، وفقًا للرؤية التوراتية التلمودية التي تعمل بموجبها.
هذه النظرة الفاشية التي توجه الحكومة الحالية تسعى إلى تعميم فرضيات جديدة قديمة على المجتمع الإسرائيلي، مفادها أنه بدون السيطرة الاحتلالية على الأراضي الفلسطينية، وإقامة المستوطنات عليها بصورة إحلالية، فستكون الدولة برمّتها في خطر كبير، رغم أنه في الكثير من الحالات ثبت العكس، أي أن هذا الاحتلال هو الكفيل بإيصال الدولة ذاتها إلى خط اللارجعة، لكن الغريب أن الرأي العام الإسرائيلي لم يتحرك لتعزيز هذه القناعة، وبقي واضعاً رأسه في الرمال.
اقرأ أيضًا: (إسرائيل).. هل تحترق؟
اقرأ أيضًا: نهاية الكيان تقترب بِشهادةِ نَفَرٍ من أهله
رغم ذلك، فقد استمرت التبريرات الإسرائيلية غير المقنعة بشأن الاستمرار في التورط بممارسات قاسية وغير أخلاقية تجاه الفلسطينيين، تسعى إلى تجريدهم من إنسانيتهم، عبر طردهم من منازلهم، وانتزاع حقهم في حياتهم، وباتت هذه الذرائع تجد طريقها لتبرير العنف الممارس على الإسرائيليين أنفسهم ضد معارضي الحكومة، حتى بتنا نستمع لمطالبات إسرائيلية بتنفيذ العنف ضد المحتجين، بزعم أنهم يساريون معادون للدولة.
ما من شكّ أن الاحتلال أساس المشكلة، وجذر الأزمة، والثقب الأسود في الدولة ذاتها، بزعم أنه المدخل لتحقيق المشروع الصهيوني، بما يشمله من عنف وعدوانية تجاه الفلسطينيين، ودون رادع أخلاقي وقيم بشرية، تحت مبرر السيطرة على كامل الأراضي بين النهر والبحر، وفي سبيل ذلك يجوز استخدام كل أشكال التحكم غير الأخلاقي بحياة الفلسطينيين، وطرائق عيشهم، بما في ذلك انتزاع الحقوق والعدالة والقانون والقيم والكرامة الإنسانية، بما يدمّر كل المعايير الأخلاقية والقانونية والثقافية.
مع أن المجتمع الإسرائيلي لم يكن يشتري هذه "البضاعة" الخاصة بما يعانيه الفلسطينيون كثيرًا، لكنه حين بدأ يشعر بتبعات هذه السياسة داخله من حكومة اليمين الفاشي، وصل إلى القناعة التي دأب على الهروب منها، رغم أنه قد يعيش لحظات قد لا تتكرر كثيرًا للاستيقاظ، والتعرف على واقعه المُزري، ومحاولة تغييره قبل فوات الأوان.