من منا لم يتعرض لنوبة غضب من وقتٍ لآخر؛ بسبب ضغوطات الحياة وأعبائها؟ إن الغضب أمر طبيعي, ولا يعتبر في حد ذاته مشكلة، لكن المشكلة الحقيقية في التعامل معه والسيطرة عليه وضبط النفس خلاله. فهل الطلاق إلا في ساعة غضب؟, وهل كل الحماقات تُرتكب إلا في ساعات غضب؟, وهل كل معاصي اللسان ترتكب إلا في ساعة غضب؟
"تكلم وأنت غاضب, فستقول أشد حديث تندم عليه طوال حياتك"
ريتيليو
إن الرجل الذي يتسم بالثبات الانفعالي ويملك نفسه عند الغضب هو أسعد رجل في العالم, لأنه يملك أهم أركان القوة النفسية التي تتفوق على القوة الجسدية, وإن كان الرجل لا يمتلك هذه القوة, فعليه أن ينتبه لخطورة الغضب ويتمرن على ضبط النفس خاصة في تعامله مع زوجته وأبنائه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".
كثيرٌ ما يتعرض الأزواج إلى مجابهة نوبات غضب تصيب أحدهما أو كليهما وإن لم يتوفر لدى أحد الأطراف آلية تعامل مع الغضب, فإن العلاقة الزوجية ستكون مهددة بالفشل أو الانهيار. قد لا تكون المرأة السبب في غضب زوجها، لكنه لم يجد غيرها أمامه ليفرغ غضبه وضغوطاته عليها، وفي هذه الحالة أسوأ ما يمكن أن تقوم به المرأة هو مواجهة الغضب بالغضب والعصبية بالصراخ.
فالمرأة الذكية هي التي تتمكن من امتصاص غضب زوجها، بعدم مواجهة الغضب بالغضب، فعليها أن تكون واعية للمشاكل الصحية التي قد تنتج عن الغضب كالتوتر النفسي والصداع وأمراض الضغط والسكري وأمراض القلب.
"في كل مرة تقع ضحية للغضب فأنت غالباً تسمم نفسك بنفسك"
ألفريد مونتابرت
يختلف تعامل كل من الرجل والمرأة مع الغضب، فتميل المرأة بالغريزة عند الغضب إلى التحدث عن مشاعرها, ولا تهتم على الفور بالبحث عن حلول لمشكلاتها, بل تنشد الراحة من خلال الحديث عن ذاتها وتحتاج فهم الرجل لها, وهي بذلك تصبح أقل ضيقا وانزعاجاً. وهي بالتأكيد لا تعتبره بأنه هو الملوم بل تتحدث لتشعر بمشاعر أفضل وإن فهم هو ذلك ومنحها أذنا منصتة فإنها ستقدر له مجرد استماعه لها.
أما الرجل عندما يغضب فهو لا يحتاج إلى المجابهة والإنكار والعتب, هو بحاجة لتفريغ طاقة الغضب ويجب على الزوجة أن تدعه يغضب وتلتزم الصمت, ثم تعاتبه بعد أن يهدأ, وتلفت انتباهه إلى شعورها بالخوف والضيق منه وعندها سيفكر في سلوكياته عند أي نوبة غضب تالية. وإن كانت هي من أثار غضبه بسبب قول أو فعل, فعليها أن تسارع إلى الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه. سحر كبير ذلك الذي ينطوي عليه الاعتراف والاعتذار, إذ يطفئ الغضب سريعا ولا يدع مجالا للوم والعتب.
مثلما للغضب من آليات للتعامل والسيطرة عليه وإخماده, هنالك معيقات للتعامل معه ويعتبر الخرس الزوجي من أكثر المعيقات في التعامل مع الغضب, حيث ينتج عن انعدام التفهم والإنصات بين الشريكين, خاصة من ناحية الزوجة, التي تشعر دوما بأحقيتها في التعبير والشكوى, فلا تمنح زوجها فرصة التعبير عن مشاكله, والضغوطات التي يواجهها, فيكف الزوج عن الكلام الذي لا يجد منه جدوى, ويتفاقم شعوره بالغضب, الذي قد يظل كامنا لفترة وما يلبث أن ينفجر دفعة واحدة في وجه الشريك.
ولكي تتجنبي الخرس الزوجي عليكِ أن تستمعي لزوجك باهتمام وأن تُظهري التعاطف والتقدير لظروفه وهذه فرصة جيدة للتقارب بينكما وتقوية علاقتكما.
كلنا يغضب عندما يشعر أنه مراقب في كل ما يقول ويفعل, ومحاسب على الصغيرة والكبيرة مما يصدر منه، ويقول الحكماء أن ثلاثة أرباع العقل في التغافل, ويعتبر التغافل قمة الذكاء واليقظة وهو لا يعني تأييد الخطأ والموافقة عليه, ولكن معالجته باللين والإعراض عن ذكره إن كان من الطبع والعادات التي يمكن تحملها, وباتخاذ الزوجين التغاضي والمغفرة شريعة فيما بينهما فإنهما بلا شك سيحظيان بالمحبة حين تغيب المحاسبة على الصغيرة والكبيرة ويسود التسامح والسلام بينهما.