فلسطين أون لاين

الصُناع يشتكون تقادم الآلات 

تقرير رحلة الذهب في غزة من الخام إلى صناديق العرض

...
دمغ الذهب- تصوير رمضان الأغا
غزة/ أميرة غطاس:

تتزيّن جنبات سوق القيسارية القديم بغزة بمتاجر الذهب الفلسطيني الخالص، وبمجرد أن تخطو قدماك هذا السوق الضيق، تشعر وكأنك داخل كنز ثقافي مفتوح، حيث يلتقي الزمن القديم مع الحاضر في سلسلة لا تنتهي من المتاجر التي تعرض جمال المعدن الثمين.

في محل إسحاق فهيد، تتدلى القلائد والسلاسل بجاذبية، وتتلألأ الخواتم والأقراط كأنها نجوم، وبمجرد أن تطأ قدماك أرض محله حتى ترى حاوية زجاجية تمتلئ بالمشغولات المرسومة رسمًا باليد، محتضنة بين تفاصيلها لمسة من الفن والخبرة.

يقول فهيد لـ"فلسطين": "توارثنا مهنة تصنيع الذهب أبًا عن جدٍ، فهي تعبر عن تراث غالٍ ومهنة تمتد عبر الأجيال، وليست مجرد حرفة بل هي جزء من هويتنا التي نحملها في العائلة بكل فخر".

ويكمل: "على مدى سنوات عديدة، أصبحت عائلتنا مرجعية في تصنيع الذهب بالمنطقة، ورمزًا للجودة والتفرد في المجال. ظهر إبداع جدي -رحمه الله- وعنايته الفائقة بكل قطعة يصنعها من الخواتم الفاخرة إلى القلائد والأقراط، وصولًا إلى الأونصة".

اقرأ أيضاً: الذهب يتماسك وسط رهانات على رفع الفائدة الأمريكية

ويلفت إلى أن جده "إسحاق" الذي يحمل اسمه، صاحب أوّل أونصة تُختم باسم فلسطين، إذ بات اسم إسحاق علامة تجارية موثوقة من الوطن العربي كافة.

خطوات مهمّة

وليصل الذهب إلى الصورة التي نراه فيها بمحلات الصاغة يمر بخطوات مهمة، تتمثل الأولى بتجميع الذهب الخام والسبائك ثم صهرها في أفران تتعدى درجة حرارتها إلى ألف درجة مئوية.

ويلفت إلى أن عملية الصهر تتبعها عملية "القولبة" وهي وضع الذهب المصهور في قوالب مخصصة، ثم مرحلة التنظيف الكيميائي وهي مهمة جدًا ففيها يتم وضع موادّ كيميائية تعمل على تلميع الذهب.

ويتابع فهيد: "هناك طريقة أخرى نستخدمها في صناعة الأساور والخواتم تسمى السحب، وفيها يتم صهر الذهب ومدّه من خلال الحرارة، ويتخلله الرسم اليدوي بناءً على موضة السنة، أو حسب طلب الزبون".

وعن سلبية هذه المهنة، يخبر بأنها تعتمد على الاقتصاد العالمي وتتفاوت أسعارها من يومٍ إلى آخر، مشيرًا إلى صعوبة استيراد الماكينات المستخدمة في تصنيع الذهب هي الأكبر إذ يمنع الاحتلال دخولها، وباتت الأفران المستخدمة في صهر الذهب والآلات مهترئة بسبب تقادمها الزمني.

ويتفاوت الوقت الذي يحتاج فهيد لإنتاج قطعة الذهب لتكون جاهزة للبيع، إذ المسكوبة كالأونصة تأخذ أقل من ساعة، بينما التي تحتاج إلى سحب ورسم تأخذ أسبوعًا بحسب حجمها ومقدار التفاصيل التي تحتاجها، وفقًا لفهيد.

ويوضح أن سعر الأونصة وصل إلى 1025$، وهذا السعر ليس ثابتًا ويتغير وفق تقلبات البورصة العالمية لأسواق الذهب، مشيرًا إلى أن أسعار بيع الذهب تختلف في غزة تبعًا للمصنعية والجودة.

ويبين أن عيار 21 من الذهب لا يكن ذهبًا خالصًا بل تدخل في تركيبته القليل من المعادن كالنحاس والفضة، في حين أن عيار 24 يكون ذهبًا خالصًا لا يدخله أي معادن أخرى.

دمغ الذهب

ولكي تعرض القطعة بعد تجهيزها، لا بدّ أن تمرّ على وزارة الاقتصاد ليتم دمغها بالدمغة الفلسطينية التي تثبت جودتها ومدى مصداقية القطعة.

رئيس قسم الرقابة والتفتيش في مديرية مراقبة ودمغ المعادن الثمينة رائد القصاص يقول: "نقوم في المديرية بجولات تفتيشية صباحية ومسائية على محلّات الذهب للتأكد من وجود الدمغة الفلسطينية على كلّ مشغول".

ويشير لصحيفة فلسطين إلى أن المديرية تستخدم العدسة المكبّرة لمعاينة الدمغة والتأكد من وجودها، "ويتم ضبط المشغولات وفي حال عدم وجود الدمغة، ويحول صاحبها للدائرة القانونية لاتخاذ المقتضي العدلي بحقه".

بدوره، يقول رئيس نقابة الصاغة والمعادن الثمينة بغزة محمد حبوب: إن الصاغة في غزة يعانون من مشكلة كبيرة تتمثّل بمنع إدخال الآلات والماكينات المستخدمة في تصنيع الذهب والتي ستوفر عليهم الوقت والجهد بشكل كبير.

ويوضح لصحيفة فلسطين أن الاحتلال الإسرائيلي يمنع إدخال تلك الماكينات بحجة ما يسميه بـ"ازدواجية المعايير" واستخدام تلك الأدوات في تصنيع أشياء أخرى، مشيرًا إلى أن الاحتلال يمنع كذلك إدخال حمض النيتريك وأحماض أخرى تستخدم في تنظيف قطعة الذهب وتلميعها.

ويذكر أن كمية الذهب المستخدمة لسنة 2022 تقدّر بـ5 أطنان، "وهذه كمية قليلة مقارنة بعدد سكان قطاع غزة"، مؤكدًا أن حركة الشراء هذا العام تشهد إقبالًا ضعيفًا.

ويعلل السبب بالأوضاع الاقتصادية الصعبة واستبدال تجميد الأموال بالذهب إلى استثمارها في أماكن أخرى.

المصدر / فلسطين أون لاين