لم تكن انتفاضة الحجارة التي اندلعت عام 1987، مجرد عمل ثوري فلسطيني فحسب، بل تعدت ذلك إلى استخدام أدوات اعلامية متعددة من أجل تعويض النقص الحاد في المنابر الاعلامية التي تخدم القضية الفلسطينية، اذ كان الاحتلال يسيطر على كل شيء.
وبعد مرور هذه الاعوام، بدا أن الفلسطينيين يعرفون تماما ان أي تجربة نضالية لهم لن تكون مجدية اذا لم يرافق الاعلام فيها العمل المقاوم، ويسير في ركابه، فتوسع الاستخدام وتطورت الأدوات، لتواكب تطور المقاومة وأدواتها.
أستاذ الاعلام في جامعة بيرزيت د. نشأت الاقطش، رأى أن الاعلام الفلسطيني لم يكن لديه خطة عمل واضحة في بداية الانتفاضة الأولى، معتبرا أن الجهد الاعلامي لدى الطرف الفلسطيني كان موجها للجبهة الداخلية أكثر منه للعالم الخارجي.
وأوضح في حديثه لصحيفة "فلسطين"، أن ممارسة الاعلام كانت تعتمد على أدوات بسيطة, إذ لم يكن متاحا للفلسطينيين سواها, مثل استخدام الجدران لكتابة الشعارات وإعلام الجماهير بتطورات الأوضاع السياسية والميدانية، إضافة إلى استخدام البيانات أو المنشورات التي كانت تطبعها المجموعات الفلسطينية, وتوزعها على المواطنين، كما استخدم الفلسطينيون أسلوب النداء عبر مكبرات الصوت في المساجد.
وبين أن هذه الوسائل كانت غالبا ما تعمل على تعبئة وحشد الجماهير نحو قضية معينة، حيث كانت الجماهير أكثر التصاقا بها وتتمتع بمصداقية أكبر عما سواها من أدوات الاعلام.
وأضاف الأقطش أن هذه الممارسات اعتراها الكثير من السلبيات التي ظهرت وأدت إلى اشكاليات تتعلق بمصداقية المعلومات التي كان يتم الاعلام عنها، منوها إلى انه كان بإمكان أي شخص أن يكتب ما يريد على أحد الجدران ويوقع باسم الفصيل الذي يريده، وهو أمر تسبب في اشكاليات كبيرة احيانا.
وتابع: "إن الأداء الاعلامي الفلسطيني كان يتصاعد مع مرور السنوات، فمع البدايات الصعبة والبسيطة، وصل منحنى العمل الاعلامي الى مستويات جيدة على صعيد الجهد والاداء".
وبين أن صورة المظلومية الفلسطينية ساهمت في التغطية على بعض جوانب الخلل في استخدام الأدوات الاعلامية لفلسطينية، منوها إلى أن وسائل الاعلام الإسرائيلية وبعض الغربية كانت تتصيد أخطاء الاداء الاعلامي وتضعها تحت مجهر التكبير من أجل أغراض سياسية.
وأكد انه برغم الجهد المبذول حاليا في مجال الاعلام، الا ان ابرز اخطاء البداية لا تزال موجودة وهي غياب الرؤية الاستراتيجية للإعلام، وعدم وجود خطة واضحة تهدف لتحقيق الاهداف الفلسطينية، وهو ما يصنع تخبطا في غالب الاحيان.
وأشار الى ان العمل المدروس والمخطط له فلسطينيا لا يحتاج بالضرورة الى توافق سياسي كامل بين الفصائل الفلسطينية، مشيرا الى وجود قضايا كثيرة يحمل همها الفلسطينيون جميعا كقضايا الاسرى والقدس والاستيطان، حيث أصبحت طريقة المعالجة لها سطحية ولا تتعدى دور الاحصاء والندب على اطلالها.
حالة نضالية
من ناحيته، أكد استاذ العلوم السياسية والاعلام في جامعة النجاح د. كمال علاونة، أن الاعلام الفلسطيني خلال انتفاضة الحجارة ابلى بلاءً حسنًا في ظل ضعف الامكانات والظروف السياسية التي كانت تمر بها الاراضي الفلسطينية.
وذكر علاونة في حديثه لصحيفة "فلسطين"، أن أي حالة نضالية عبر التاريخ كان لا بد لها من أن تبادر لاستخدام الأدوات الاعلامية المتاحة، والبناء عليها من أجل التواصل مع المجتمع المحلي من جهة، وعرض الرسالة التي يحملها أصحاب النضال لعرضها على المجتمع الخارجي من جهة أخرى.
وبين أن المجتمع الفلسطيني كان أكثر تفاعلا مع الاعلام المستخدم نظرًا لانخراط المجتمع بكل مستوياته في حالة النضال ضد الاحتلال، فكنا نشاهد حالة منع التجول والاعتقالات العشوائية وهدم بعض المنازل، كإجراءات عقابية ضد السكان.
وأوضح أن الفترة الحالية تشهد مشاركة نخب محددة في العمل الاعلامي، نظرا لانشغال جزء من المجتمع بتفاصيل معيشية أخرى، فضلا عن أن التقدم التكنولوجي أخذ حيزا كبيرا من الاهتمام من باقي وسائل الاعلام المعروفة.
ونوه إلى أن الاداء الاعلامي الفلسطيني أصبح اكثر عمقا وتخصصية، اذ أصبح الاستخدام مرتبطا بالفئة التي تعمل فيه، فمثلا تقوم المقاومة باستخدامه في اتجاهات متعددة، اضافة إلى توجيه الرسائل للمجتمع الفلسطيني، واتساعها لتوجيه رسائل لجنود الاحتلال ومستوطنيه.
وطالب بدارنة بوضع خطط واستراتيجيات تضمن الاستفادة القصوى من امكانات الاعلام في تسويق القضية الفلسطينية على الابعاد الدولية، مشيرا إلى أن تسويق الصورة الفلسطينية يجب ألا يقتصر على نخبة أو فئة محددة بل هو دور وطني مطلوب من الجميع.