في غمرة الانشغال الإسرائيلي الداخلي بتبعات الانقلاب القانوني، ونتائجه المترتبة على هوية الدولة وتراجع قضائها أمام سلطتها التنفيذية، ومحاولة الحكومة توظيف باقي السلطات لصالح تنفيذ أجندتها اليمينية الفاشية، ظهرت مخاوف إسرائيلية جادة أن تكون هناك تبعات خارجية مرتبطة بإمكانية تعرّض جنود الاحتلال لدعاوى قضائية في محكمة العدل الدولية.
في الوقت ذاته، فإن المخاوف الاسرائيلية من هذه الفرضية مصادرها قانونية وسياسية على حد سواء، على اعتبار أنه "في الحرب كما في الحرب، تُستخدم كل أداة ممكنة لضرب العدو"، وفي هذه الحالة يتخوف الاحتلال أن يستغل الفلسطينيون الأزمة القانونية الداخلية لديه لتقديم المزيد من الشكاوى والدعاوى أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي باتهام جنود الاحتلال بارتكاب جرائم حرب، عقب الضعف الذي سيلحق بالمحكمة العليا عقب تنفيذ خطوات الانقلاب القانوني الجاري.
اقرأ أيضا: كيف نطالب بمياهنا وحقوقنا الكاملة فيها؟
مع العلم أن دولة الاحتلال تخضع بالفعل للتحقيق في جرائم حرب، رغم اتهام الاحتلال لمحكمة العدل الدولية بـ"تسييس" قراراتها وتوجهاتها، والزعم بأنها تدير مع الفلسطينيين لعبة مع سبق الإصرار والتعمّد للإيقاع بالاحتلال، وإدانته بارتكاب تلك الجرائم، ما حدا به لرفض المشاركة في إجراءات المحكمة القانونية ضده، بزعم أنه يحقق في كل ما يحدث من حوادث يسقط فيها فلسطينيون "غير منخرطين" بعمليات المقاومة، عبر النيابة العسكرية، فضلًا عن باقي مكونات المنظمة القانونية الإسرائيلية.
اليوم، ومع شروع حكومة اليمين بتنفيذ أجندتها الانقلابية على المؤسسة القضائية فقد بات واضحًا أنها باتت تتأثر به سلبيًا، وأصبحت المحكمة العليا مثار شكوك كبيرة، ما أفسح المجال أمام محكمة لاهاي كي تتصرف كما يحلو لها، وفق تعريف اليمين الإسرائيلي، انطلاقًا من قناعة المنظمات الحقوقية الدولية بأن دولة الاحتلال اليوم باتت تفتقر للقواعد، والقانون، ونزاهة القضاء.
صحيح أن الاحتلال سيجد نفسه في قادم الأيام أمام سلسلة من الدعاوى الفلسطينية والعربية والدولية أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، لكنه لن يتورّع عن تكرار سيمفونياته المشروخة بأن هذه المحكمة لا تملك سلطة، ولا تُمنح إلا ضد الدول الأعضاء فيها، أو بناءً على طلب الدول الأعضاء فيها، في حين أن دولة الاحتلال ليست عضوًا فيها، وكذلك السلطة الفلسطينية لا تُصنف كدولة.
ما من شكّ أن مخاوف الإسرائيليين من تراجع قيمة المحكمة العليا، وقوة تأثيرها، بسبب الانقلاب القانوني، تحوز على كثير من الوجاهة والمصداقية، لأنها ستمنح مزيدًا من الوقود الكافي لدفع المحاكم الدولية للاضطلاع بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وما ترتكبه قواتها من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الأراضي المحتلة.