يشهد سوق العمل اضطرابات عديدة، وتعد الفجوة بين التخصصات الأكاديمية وحاجة سوق العمل واحدة من أهم هذه الاضطرابات، وقد نشأت هذه الفجوة لعدة أسباب أهمها عدم تفعيل تصنيف وتوصيف للتخصصات والمهن في العديد من الدول.
ولقد أصبح تصنيف الوظائف بمفهومه الشامل سمة من سمات الإدارة الحديثة التي تعمل على تحديد الأعمال والتعرف على مكوناتها، وذلك بهدف تحديد واجبات ومسؤوليات الوظائف ضمن الحدود التنظيمية، ومن ثم ربطها بالمؤهلات والخبرات والجَدارات اللازمة للقيام بها على أكمل وجه، وما يستدعيِه ذلك من ربط وثيق بين أعمال الموظفين ومسميات وظائفهم، والمزايا المالية التي يتلقونها، كما يعد التصنيف إحدى الركائز الرئيسة التي تعتمد عليها المنصات الوطنية الموحدة للتوظيف كأحد المدخلات التي تربط التخصصات التعليمية بالفرص الوظيفية المناسبة والمتاحة لكل تخصص، بما يساعد في تنظيم عمليات التوظيف في القطاعين الحكومي والخاص، ويلائم الفرص الوظيفية المناسبة للخريجين من كل تخصص، ويقدم خدمة جليلة للطلاب في تخطيطهم المستقبلي لحياتهم التعليمية والمهنية، إضافة إلى مساعدة المسؤولين ومتخذي القرار في قطاعات التعليم والتدريب، لتحقيق التكامل بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، وتعزيز الجهود المبذولة لتطوير سوق العمل، وتوفير فرص وظيفية أكثر.
وتعرف عملية تصنيف المهن بأنها عملية شاملة ومتكاملة تهدف إلى تقسيم الأعمال لمهن مختلفة حسب نوع العمل وطريقة القيام بالمهام الموكلة ومتطلبات التأهيل، مما ينتج عن ذلك تقسيم المهن وفرزها بطريقة هرمية في مجموعات رئيسة تتفرع منها مجموعات فرعية ثم إلى مجموعات أصغر إلى أن يتم الوصول إلى المهن التي تعتبر أدنى تقسيم مهني في قوائم المهن.
وقد برزت أهمية التصنيف والحاجة إليه حاجة رئيسية من حالة اللامعيارية والتكرار والتعددية المطلقة لمسميات البرامج التعليمية وتخصصاتها، والمؤهلات المكتسبة منها على الرغم من كونها متماثلة بدرجة كبيرة في البنية والهيكل والمحتوى، مما خلق إشكالية كبيرة لدى الجهات المعنية في سوق العمل والتوظيف وغيرها.
إن اعتماد المؤسسات التعليمية والتدريبية للتصنيف والتوصيف المهني عند تخطيط برامجها ومستوياتِها التعليمية ومؤهلاتها وتطويرها وتقويمها، إضافة إلى استرشاد جهات التوظيف به في تحقيق الربط بين مخرجات النظام التعليمي واحتياجات سوق العمل من الموارد البشرية المؤهلة والمدربة، ليبرهن على الأهمية الكبرى له، الأمر الذي ينعكس على تحقيق سمات ومواصفات مشتركة توفر موثوقية متبادلة، وتتيح للخريجين فرصًا واسعة للتوظيف والمنافسة على مستوى أسواق العمل الوطنية والإقليمية والدولية.
كما يقوم هذا التصنيف بوضع نظام موحد للمستويات التعليمية التي يتدرج فيها الطالب منذ بداية رحلته التعليمية، وهذا النظام سوف يساعد المؤسسات في القطاعين العام والخاص على إخضاع الدارسين إلى تصنيف محدد وفق مستواهم التأهيلي، إضافة إلى مساعدة الطالب على تخطيط حياته التعليمية والمهنية.
ويمكن الاستنتاج بأن التصنيف المهني هو أداة لتنظيم جميع الوظائف في مؤسسة أو صناعة أو بلد، في مجموعات محددة وواضحة وفقًا لمهامها وواجباتها التي تمت في هذه الوظيفة، كما يستخدم الأوصاف المفصلة للمهنة من أولئك الذين هم بحاجة إلى معرفة عن المهام والواجبات وظروف وفرص العمل، وهي في الغالب موجهة للمستخدمين (على سبيل المثال أولئك المسؤولين عن التوظيف والتدريب والتوجيه المهني، والسيطرة على الهجرة، إلخ) وينبغي تصميم أوصاف المهنة في المقام الأول لتلبية احتياجات هؤلاء المستخدمين.
إنَّ ما يشهده القطاع الاقتصادي المحلي من تدهور يدعو إلى تضافر جهود الجهات الحكومية وغير الحكومية، والتنسيق الفاعل بين مقدمي خدمات التعليم والتدريب من جانب وقطاعات التشغيل والتوظيف العامة والخاصة من جانب آخر، في مجالات اعتماد الأدلة الوطنية للتصنيف والتوصيف المعياري الفلسطيني للمهن، أُسوة بدول شقيقة كالمملكة العربية السعودية وغيرها واستنادًا إلى معايير عربية صادرة عن منظمة العمل العربية، ومعايير دولية صادرة عن منظمة العمل الدولة ILO، ما قد يسهم في التخفيف من مشكلة البطالة، وخلق حالة من المواءمة بين مخرجات التعليم والتدريب وحاجات سوق العمل.