بدأت ملامح الحياة تعود تدريجيًا إلى مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين جنوبي لبنان، مع عودة المئات من النازحين الذين شُردوا من منازلهم بفعل الاشتباكات الدامية التي استمرت على مدار أكثر من أسبوع، قبل التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار.
واندلعت في 29 يوليو/تموز الماضي، اشتباكات دامية بين مسلحين من حركة "فتح" وآخرين من "الشباب المسلم"، في مخيم "عين الحلوة"، استمرت عدة أيام، ما أدى لمقتل 13 شخصًا وإصابة أكثر من 60 آخرين، فضلًا عن نزوح مئات العائلات إلى خارج المخيم.
ومع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى المخيم، أخذوا يتفقدون حجم الدمار الهائل الذي لحق بمنازلهم ومحالهم التجارية، عدا عن تدمير الشوارع الرئيسية في المخيم، حسب ما يروي اللاجئ يوسف طحيبش.
اقرأ أيضا: تقرير اشتباكات "عين الحلوة".. أيادٍ مشبوهة تعبث بمصير اللاجئين
ويقول طحيبش لصحيفة "فلسطين": إنه "رغم عودة مئات اللاجئين لمنازلهم المدمرة إلا أن حالة من الضبابية تسود المشهد في مخيم عين الحلوة، إذ لا يشعرون بالأمن والأمان حتى اللحظة".
وأكد أن الاشتباكات المسلحة التي وقعت في المخيم زادت معاناة اللاجئين الفلسطينيين، إذ باتوا يعيشون حالة من القلق على مصيرهم ومصير المخيمات كافة، بفعل مشاريع التهجير التي تُحاك ضدهم.
وأضاف: "نحن نعيش في حالة من القلق على مصيرنا ومستقبلنا ومستقبل قضيتنا، خاصة في ظل تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية التي يمر بها المخيم وكل مخيمات اللاجئين".
ونبّه طحيبش إلى أن عدم السماح للاجئين بإدخال مواد البناء يفاقم أوضاع اللاجئين الاقتصادية المزرية على مدار سنوات طويلة، متسائلًا: "كيف سيكون الأمر بعد الاشتباكات، ولا سيّما أن إعادة البناء يشكل عبئًا كبيرًا؟".
وبيّن أن بعض اللاجئين الذي يملكون أموالًا باتوا يفكرون في الخروج من المخيم نهائيًا، مطالبًا وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" بزيادة مساعدتها المقدمة للاجئين والاهتمام بهم أكثر، وعدم الادعاء بوجود عجز في موازنتها المالية.
ويذكر اللاجئ الفلسطيني محمد ديب، أن الحياة عادت تدريجيًا في بعض الأحياء المجاورة لمنطقة المحور الأساسي التي اندلعت فيها الاشتباكات الدامية التي يُطلق عليها اسم "بركسات الطوارئ".
وقال ديب لصحيفة "فلسطين": إن الحياة في منطقة الاشتباكات لا تزال "مشلولة"، إذ لم يعد لها اللاجئون حتى الآن، بسبب خشيتهم من عودة الاشتباكات في أي لحظة، مشيرًا إلى أن الحياة عادت "جزئيًا" في بعض المناطق المجاورة لها.
اقرأ أيضا: خاص هويدي: 20 ألفًا هجّروا من "عين الحلوة" والخسائر المادية كبيرة جدًا
وأوضح أن اللاجئين ينتظرون ترميم بيوتهم المدمرة وإزالة الركام المتناثر في الشوارع، وإنهاء المظاهر المسلحة التي ما زالت قائمة حتى الآن، لافتًا إلى أن حجم الدمار في المخيم كبير جدًا.
وأفاد بأن تقديرات تكاليف الأضرار التي خلّفتها الاشتباكات تصل إلى 10 مليون دولار، ولا سيّما أن عدداً كبيراً من المنازل والمحلات التجارية والطرقات دُمرت كلياً، وأخرى جزئياً.
وبيّن أن الاشتباكات الدامية فاقمت الأوضاع الاقتصادية للاجئين، خاصة في ظل تقاعس وكالة "أونروا" وتقليص خدماتها المقدمة لهم، واصفاً ظروف اللاجئين بعد عودتهم للمخيم بـ "المزرية".
كارثة وألم
بدوره، أكد الناشط السياسي من مخيم عين الحلوة محمد أبو ليلى، أن الفصائل الفلسطينية وخاصة حركة حماس وبعض الأطراف اللبنانية نجحت في تثبيت وقف إطلاق النار وإنهاء المظاهر المسلحة في المخيم، مشيراً إلى تشكيل لجنة تحقيق لمعرفة ملابسات مقتل اللواء أبو أشرف العرموشي ومرافقيه.
وقال أبو ليلى لصحيفة "فلسطين": "حتى اللحظة لا نستطيع القول إن كل اللاجئين الفلسطينيين عادوا إلى بيوتهم، بسبب الدمار الكبير في الأحياء التي يقطنونها والخشية من عودة الاشتباكات".
وعدّ الأوضاع في المخيم حالياً "مستقرة"، إذ عادت الأمور إلى طبيعتها في المناطق التي لم تشهد اشتباكات، واصفاً ظروف المخيم بـ "الكارثية والأليمة"، ولا سيما أن حجم الخسائر كبير جدًا، عدا عن حالة الصدمة التي يعيشها اللاجئون حتى اللحظة.
وبحسب قوله، فإن المؤشرات تشير إلى أن الأمور ذاهبة إلى مزيد من الهدوء والاستقرار والعمل على إحصاء الأضرار والعمل على بلسمة جراح الناس الذين خسروا بيوتهم وممتلكاتهم وأرزاقهم.
و"عين الحلوة" هو أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان تأسس عام 1948، ويضم نحو 50 ألف لاجئ مسجل حسب الأمم المتحدة يعيشون على مساحة كيلو ونصف متر مربع، في حين تفيد تقديرات غير رسمية بأن عدد سكانه يتجاوز 70 ألفًا.