كلما حاولت الكتابة بعيداً عن السلطة الفلسطينية، وممارساتها المذمومة من الشعب الفلسطيني، تأتي الأحداث والمستجدات لتعيدنا إلى المربع نفسه، مربع انتقاد السلطة الفلسطينية، وتحميلها المسؤولية عن كل تدنٍّ، وتجاوز، وتراخٍ، وتفكك، وتباعد بالمواقف، يؤثر سلبيًّا على القضية الفلسطينية.
قبل يومين، قررت الحكومة الإسرائيلية تقديم تسهيلات مالية للسلطة الفلسطينية، دون عرض القرار على التصويت، وذلك يعني أن الوزراء المعترضين على القرار كثر، وأنهم متفقون داخليًّا على التخلص من السلطة، ومن خدماتها الأمنية، وأنهم متفقون على خطة سموتيرتش، التي تقوم على حسم الصراع، وإعداد أرض الضفة الغربية إلى ما هو أسوأ، وأكثر وجعاً سياسيًّا من وجود سلطة وظيفية.
قرار التسهيلات للسلطة الفلسطينية لم يكن إسرائيليًّا، لقد جاء القرار استجابة لضغوط أمريكية، وجاء القرار على شكل رشوة سياسية رخيصة، منزوعة الدسم الاقتصادي، وهذا ما يتضح من جملة التسهيلات، وهي كالتالي:
اقرأ أيضًا: جنين و"الأوسلويون"... نهجان متضادان
اقرأ أيضًا: تزايد الدعوات الإسرائيلية للسيطرة على الضفة الغربية
1- تقسيط ديون السلطة مدة عام، وهذه الديون مستحقة لشركة الكهرباء الإسرائيلية على البلديات والمستشفيات والمرافق العامة، ويتم تأجيل هذه المستحقات، لأن تحصيلها يعني خراب السلطة، وقد أعلن نتنياهو أنه بحاجة إلى السلطة في هذه المرحلة.
2- توسيع معبر الكرامة الحدودي بين الضفة الغربية والأردن، وزيادة ساعات العمل في المعابر الأخرى على نهر الأردن، وهذه مطالب إنسانية، ولها انعكاساتها على العلاقة مع الأردن، ولا تعد ميزة اقتصادية ذات شأن كبير للسلطة، وإن درت عليها بعض المال.
3- السماح للسلطة بإصدار جواز السفر "البيومتري" وقد تأخرت الموافقة سنوات، وكان يجب أن يكون جواز السفر فلسطينيًّا، دون التدخل الإسرائيلي منذ سنة 1999.
4- الموافقة على إقامة منطقة صناعية مشتركة مع الاحتلال داخل الضفة الغربية، شمال رام الله، وسيقوم الاحتلال بتأجير الأرض التي ستقام عليها المنطقة الصناعية للسلطة، وستوظف الأيدي العاملة الفلسطينية، لزيادة المنتجات الصناعية الإسرائيلية، مع فتح أسواق الضفة الغربية، والأسواق العربية للمنتجات الصناعية الإسرائيلية.
5- إصدار المزيد من بطاقات الـ VIP لكبار مسؤولي السلطة، وهذا هو المهم.
ولكن السؤال الأبرز في هذه المعادلة، ما المقابل؟ ماذا قدمت السلطة الفلسطينية من تسهيلات أمنية تخدم المستوطنين الصهاينة، مقابل هذه التسهيلات الإسرائيلية؟
لقد شهدت الأيام والأسابيع الماضية حملة مكثفة من الاعتقالات السياسية في الضفة الغربية، وشهدت الأسابيع الماضية جملة من الاعتداءات الوحشية على بيوت المقاومين، ومطاردتهم، ومصادرة سلاحهم، وفي هذه الممارسات رسالة أمنية واضحة، مقدمة من السلطة الفلسطينية إلى الحكومة الإسرائيلية، يقول مضمونها: نحن قادة السلطة الفلسطينية ذخر إستراتيجي لكم، لا تخسروا هذا الذخر، نحن معكم، وإلى جانبكم، ولن ندخر جهداً في الحفاظ على أمنكم، أعطونا لنواصل العطاء من أجلكم، مطالبنا تسهيلات مالية، ومطالبكم تسهيلات أمنية، قدموا لنا المال الذي يعزز مكانتنا، لنقدم لكم الأمن الذي يعزز استيطانكم، وبالمال نحن عيونكم، ونحن ذراعكم، ونحن لهيبكم الذي سيحرق المقاومة.
صحيفة يديعوت أحرنوت أدركت الحقيقة، واكتشفت المقابل، فكتبت بعد صدور قرار التسهيلات المالية للسلطة، تقول: بدأ المستوطنون تطبيق خطة واسعة للسيطرة على أكبر مساحة من أراضي الضفة الغربية، لصالح التمدد الاستيطاني، عبر سلسلة من "المزارع الاستيطانية" بمناطق إستراتيجية بهدف السيطرة عليها.
كل هذا العدوان على الأرض، وعلى الإنسان، يتم تحت سمع وبصر قيادة منظمة التحرير، التي أغلقت فمها إلا عن كلمات الإدانة، وأغمضت عينيها إلا عن الأحلام، بأن يوافق نتنياهو في يومٍ من الأيام، على لقاء محمود عباس، ولو بين الركام!