فلسطين أون لاين

تقرير "عائلة السعو" بالقدس.. هدم الاحتلال منزليها وصراع التهجير "لم يتوقف" منذ 30 سنة

...
القدس المحتلة-غزة/ نور الدين صالح:

بحسرة وألم يقف الشاب المقدسي أحمد السعو وهو يوزع نظراته يمينًا ويسارًا صوب منزله الواقع في بلدة بيت حنينا شمال القدس المحتلة وحجارته تتهاوى واحدًا تلو الآخر أمام عينيه دون أن يحرك ساكنًا، بعدما أجبرته سلطات الاحتلال على هدمه "ذاتيًا"، تحت ذريعة "عدم الترخيص".

لم يجد "السعو" كلمات يُعبّر فيها عن حجم القهر الذي يجتاح قلبه والدموع تنحبس في عينيه سوى "حسبي الله ونعم الوكيل على هذا القرار الظالم"، ولا سيّما أن صولاته وجولاته بين أروقة محاكم الاحتلال على مدار 7 سنوات للحصول على ترخيص البناء باءت بالفشل.

حكاية القهر التي يعيشها "السعو" بدأت في اليوم الأول لزواجه قبل سبعة أعوام، حينما أرسلت له بلدية الاحتلال بلاغًا وطلبت منهم التوجه للمحكمة بعد الانتهاء من مراسم الزواج، حسبما يروي والد أحمد "جميل السعو".

توجه "جميل" وفق حديثه، إلى محكمة الاحتلال وفق البلاغ الإسرائيلي، إذ تسلّم مخالفة مالية تبلغ قيمتها 35 ألف شيقل، إضافة إلى أمر تمديد هدم المنزل ذي المساحة 57 مترًا، لمدة سنتين، "وإذا لم ينفذ الهدم ستفرض غرامة مالية باهظة جدًا".

اقرأ أيضًأ: بالفيديو قوات الاحتلال تعتدي على عائلة السعو في الشيخ جراح

ويقول، إنه توجه للمحامي من أجل متابعة القضية لكن دون جدوى، فكان رد محكمة الاحتلال للمحامي "إما أن يتم الهدم ذاتيًا أو تغريم صاحب المنشأة 70 ألف شيقل وإيجار جرافة الاحتلال التي ستهدم".

لم يجد "جميل" سبيلًا سوى الهدم ذاتيًا، هربًا من دفع الغرامة المالية الباهظة التي سيفرضها الاحتلال عليه، فحين اقتربت الساعة من السادسة صباحًا استأجر جرافة وهمّ بمساعدة أبنائه وجيرانه بهدم المنزل، والعرق يتصبب من وجنتيه.

يتمالك المكلوم "جميل" نفسه ويتعالى على آلامه في لحظة قوّة: "اليهود بدهم يهجرونا من بلدنا، لكن احنا ما رح نطلع وسنبقى صامدين في أرضنا، ولن نتخلى عنها مهما كلّفنا الثمن، فهذه أرض المحشر والمنشر".

"هيها الدار".. كلمات بريئة خرجت من حنجرة الطفلة شيراز السعو التي لم تتجاوز من عمرها الأربع سنوات، وهي تنظر بحسرة إلى منزلها الذي تساقطت حجارته كأوراق الأشجار في فصل الخريف، وكأنها تستذكر أنها ستنام في العراء "بلا منزل".

تحمِل "شيراز" بين يديها دُميتها الخاصة وتركض حول المنزل وهي تبحث بين تلك الركام المتناثرة عن بقايا ألعاب ودُمى دُفنت تحت الأنقاض بفعل عنجهية احتلال إسرائيلي مُجرم داس كل قوانين الإنسانية تحت أقدامه، وضرب القرارات الدولية وقوانين الطفولة بعرض الحائط، وسط صمت عالمي مدقع.

ينظر "جميل" ومشاعر القهر تتزاحم في دماغه إلى حفيدته "شيراز" التي حرمها الاحتلال من أبسط حقوقها في حياة كريمة بلا منغصات كبقية أطفال العالم الذين لا يعرفون سوى اللعب واللهو.

اقرأ أيضًا: الاحتلال يحاصر عائلة ويعتدي على المتضامنين معها في الشيخ جراح

يكظم "جميل" غيظه ويقول: "مستحيل أطلع من هذه الأرض لو بدهم يعطونا مقابلها ذهب وياقوت ومرجان، فنحن صامدين بعون الله ولن نرحل أو نستجيب لسياسة التهجير التي يتبعها الاحتلال بحقنا وحق كل المقدسيين".

كان هدم بيت "أحمد" الذي يضم 4 أفراد جزءًا من مسلسل حكايات القهر الذي تعيشه عائلة السعو، داخل ذلك المنزل الذي زرعت أوتاده الأولى قبل 30 عامًا، وبدأت معه معاناة "التهجير والإخطارات وفرض الضرائب الباهظة".

صراع طويل 

يقلب "جميل" شريط ذاكرته المليء بالصراعات بين عائلته والاحتلال على مدار تلك السنوات العجاف، فقد أنشأ منزله وآخر لابن عمه "سمير" على أرض تبلغ مساحتها دونم و600 متر مربع تقاسمها الاثنان سويًّا.

وفرضت حينها سلطات الاحتلال غرامة مالية باهظة تصل إلى 75 ألف شيقل، إضافة إلى هدم المنزلين.

وأمضى "جميل وابن عمه سمير" تلك السنوات وهما يتنقلان بين أروقة محاكم الاحتلال في سبيل الحصول على ترخيص للمنزلين إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل، بفعل تعنت سلطات الاحتلال وإصرارها على سلب أرضهم القريبة من إحدى المستوطنات الإسرائيلية.

قبل ثلاثة أيام كان "سمير" أيضًا على موعد مع هدم منزل نجله "محمد" الذي تزوج هو الآخر قبل سبع سنوات على مساحة لا تتجاوز الـ57 مترًا أيضًا.

ويقول "سمير" لـ"فلسطين"، إن سلطات الاحتلال فرضت عليه غرامة مالية باهظة كما "جميل" تبلغ 35 ألف شيقل، وهو ما زاد من معاناة تلك العائلة.

اقرأ أيضًا: قبيل اقتحام للمستوطنين.. الاحتلال يخلي الشيخ جراح من المتضامنين ويقمعهم

واضطر "سمير" إلى هدم منزل نجله "محمد" ذاتيًا، الذي يضم بين جدرانه 4 أطفال، بعد إخطار إسرائيلي تسلّمه الأسبوع الماضي، بذريعة "عدم الترخيص". 

ولم تتوقف محاولات "سمير وجميل" في تقديم طلبات الحصول على تراخيص لمنزليهما، ويقول سمير عن ذلك "الحصول على رخصة يستغرق مدة قد تصل إلى سنة كاملة"، مشيرًا إلى أن الاحتلال أرسل لهما إخطارًا بهدم المنزلَين البالغ مساحة كل منهما 140 مترًا الشهر القادم.

ويخشى "سمير" من إقدام الاحتلال على هدم المنزلين الشهر القادم قبل إصدار "الترخيص"، مضيفًا: "بلدية الاحتلال تعرقل كل خطوات الحصول على الترخيص حتى وصول موعد انتهاء الإخطار والتوجه لهدم المنزلين".

وعدّ إقدام الاحتلال على هدم المنزلين وغيرهما "ضمن سياسة التهجير القسري الذي ينتهجها ضد المقدسيين"، مشيرًا إلى أنه يولي اهتمامًا للأرض الخاصة بعائلته، لكونها تقع في منطقة إستراتيجية بجانب مستوطنة إسرائيلية سيتم بناء 2000 وحدة استيطانية فيها.

ويختم حديثه برسالة لكل المقدسيين: "لا تتركوا بيوتكم فريسة للاحتلال الذي يريد تهجيرنا، واصبروا واثبتوا حتى تفشلوا مخططاتهم العنصرية"، داعيًا المؤسسات الوطنية الفلسطينية إلى تقديم الدعم والمساندة لعائلته وللمقدسيين كافة.