بالرغم من تأكيد اتفاقيات المصالحة على مبدأ الشراكة كأساس للوحدة الوطنية، فقد صممت السلطة على سياسة المحاصصة والإقصاء للآخر، والتفرد بالسلطة، والاستمرار في الاعتقالات السياسية، والملاحقات الأمنية في الضفة الغربية، وأن كل هذه العوامل كانت محفّزة لعدم مشاركة بعض الفصائل على رأسها الجهاد الإسلامي، وحتى بقية الفصائل المشاركة في المؤتمر هي معارضة لتلك السياسة التي تنتهجها السلطة ضد أبناء شعبها على مدار عقود خدمة للاحتلال، ولكنها حضرت من باب الحرص على الحس والإجماع الوطني أو على الأقل للحفاظ على وحدة الشعب ولكي لا تُتهم بشق الصف الوطني.
يذكرنا مؤتمر القاهرة بمؤتمر الأمناء العامين السابق في بيروت ورام الله، ويذكرنا بمؤتمر لم الشمل في الجزائر، وقد أكدت مخرجات كل منهما مبدأ الشراكة الوطنية والشراكة السياسية، وإصلاح منظمة التحرير، وإجراء انتخابات عامة، ووقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وكان يفترض الشروع في تنفيذ بنودهما على أرض الواقع، كما حددها اتفاق الجزائر العام الماضي.
اقرأ أيضا: المصالحة ممر إجباري
ألا يكفينا عبثية الانقسام الذي طال عمره لأكثر من خمسة عشر عامًا والمصالحة معلّقة على قشة، بسبب سياسة التفرد بالقرار والإقصاء المجحف لكثير من فصائل العمل الإسلامي والوطني، التي لا يمكن لأحد إنكار وزنها وثقلها وتأثيرها القوي في الشارع الفلسطيني؟ فلماذا ينكر فريق السلطة الشراكة الوطنية في صناعة القرار الفلسطيني، بمعنى إشراك جميع الفصائل الفلسطينية في كل المؤسسات الرسمية أو تداول الحكم بناء على ما يفرزه صندوق الانتخابات؟ لماذا لا تطبق تفاهمات اللقاءات والحوارات التي عقدت في السابق والتي تعقد الآن؟
إن عقد اللقاءات الفلسطينية على مدار عمر الانقسام دونما تطبيق فعلي لمخرجاتها وبنودها، هو ما خيَّب آمال الشعب الفلسطيني، الذي يعوّل على إنجاز المصالحة بفارغ من الصبر وإنهاء الانقسام، الذي انهكه سياسيًا وابتزه اقتصاديًا واجتماعيًا، وقد يعتقد أن مؤتمر القاهرة فرصة ثمينة للوحدة ولربما كانت آخر فرصة لإنهاء الانقسام، وما أن تلاشت كل الآمال لعدم الجدية في إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، فلم يبقَ له من سبيل إلا المقاومة، للدفاع عن حقوقه وحماية مقدساته، وحفظ أرضه وعرضه.
إن الدعوة لعقد مؤتمر حواري للفصائل دون وضع برنامج أو تصور مستقبلي للنهوض بالحالة الفلسطينية المتردية سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، لا يرقى للمستوى المطلوب ولا يمكن أن يلبي الحد الأدنى للآمال المعقودة عليه لبناء إستراتيجية وطنية قادرة على مواجهة التحديات، بسبب غياب أو بتعبير أدق تغييب الشراكة الوطنية التي تجمع بين العمل السياسي والعمل المقاوم في ظل الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، وما ترتكبه من جرائم متواصلة، واستيطان وتهويد وإجراءات قمعية بحق الشعب الفلسطيني.
الظاهر أن رئيس السلطة، الذي يرفض رفضًا باتًا تقديم أي بادرة حسن نية كخطوة على الطريق الصحيح للملمة حالة التشتت والتشرذم في الساحة الفلسطينية بوقف أولًا العمل التنسيق الأمني مع الاحتلال، وتبييض السجون من المعتقلين، والدفع باتجاه الوحدة وتعزيز الشراكة الفصائلية، وبدلًا من ذلك نجده يعمل وفق أجندة عقيمة من مخلفات اتفاق أوسلو، الذي ضربت به (إسرائيل) عرض الحائط، وأن كل ما يهمه هو البحث عن مخارج لأزمات السلطة السياسية والسيادية المتهالكة بنفس الأدوات والأساليب بتعليق فشله على شماعة الانقسام، دون إحداث أي اختراق حقيقي للملفات العالقة، أو التفتيش في الدفاتر القديمة ليس من أجل حل القضايا الخلافية، بل لتعزيز شرخ الانقسام، فمثل هكذا نوايا عبثية لا تحسم فيها الجدية والإرادة السياسية لإنجاز المصالحة، ولا تقدم ولا تعجّل في تحقيقها بما يشبه الفرصة الأخيرة.
فكم مرة أكد المجتمعون على إصلاح أو توسيع منظمة التحرير، وضرورة المشاركة السياسية، ووقف التنسيق الأمني، وإجراء انتخابات عامة وشاملة؟ وها هو مؤتمر القاهرة ينادي بها، فهل يلتزم عباس بمخرجاته؟