مع تصاعد التوتر الأمريكي الإسرائيلي عقب إصرار حكومة اليمين على تنفيذ انقلابها القضائي، ظهرت في الأيام الأخيرة مخاوف إسرائيلية ودعوات أمريكية متزايدة وعلنية لوقف المساعدات التي تقدمها واشنطن إلى (تل أبيب)، كنوع من معاقبتها.
مع أننا قد نكون أمام خطوة غير مسبوقة، لم تتحقق بعد، لأن دولة الاحتلال مرتبطة بهذه المساعدات في كل المجالات، مما سيجعلها مكشوفة الظهر إذا توقفت، أو على الأقل جُمّدت الى أجل مسمى.
لا يقتصر الدعم الأمريكي للاحتلال على النواحي المادية، والسياسية، والاقتصادية، والاستخبارية، بل يتعداه للنواحي العسكرية، وبالرغم من أنه ينتج ما نسبته 12% من السلاح العالمي، لكنه مستمر بتلقي مساعدات عسكرية ضخمة من الولايات المتحدة، مما يطرح أسئلة مهمة بشأن أسباب هذا الدعم، على اعتبار أن الاحتلال يسهم في حماية المصالح الأمريكية في المنطقة، الأهم في العالم من حيث مصادر الطاقة، لذلك، تستغل واشنطن عزلة (تل أبيب) عن جوارها، لتأمين تلك المصالح.
اقرأ أيضا: جبهة الشمال تدفع الاحتلال لإجراء نقاشات عاجلة
وقد حصل الاحتلال على أكثر من مائة مليار دولار من الهِبَات الأمريكية فقط، في السنين الـسبعين الماضية، لكن التطورات الأخيرة في دولة الاحتلال، ولا سيما المتعلقة منها بالانقلاب القضائي، وابتعادها عمَّا تسمى "القيم الأمريكية"، قد تؤدي لتضاؤل هذه المساعدات، أو تفضي لإلغائها آخر الأمر.
صحيح أنه حتى لو كان الاحتلال مستقلًا من جهة اقتصادية، فإنه ما يزال متعلقًا بالولايات المتحدة في مجالات أخرى كالتكنولوجيا والدبلوماسية، لكن هذه الحقيقة لا تناقض الحاجة لتقليل تعلّقه بها قدر المستطاع.
مع العلم أن السبب الأساسي في استمرار هذه المساعدات الأمريكية للاحتلال يكمن في الجوانب السياسية، وتأييده طويل الأمد للولايات المتحدة، ربما بسبب تأثير جماعة الضغط الموالية لـه، في حين تشكل المساعدة العسكرية السخية والنوعية العنصر الأهم في "العلاقات الخاصة" التي تسود بينهما.
ومع ذلك، تميل أصوات أمريكية مهمة، باتجاه الضغط على الاحتلال، لرغبة آخذة في الازدياد بالاعتراف بحقيقة أنه بات عبئًا سياسيًا، ولم يعد ذخرًا استراتيجيًا، ولا سيما في أوساط الحزب الديمقراطي الذي بات يشهد في السنوات الأخيرة انحيازًا أقل مع الاحتلال، وتعاطفًا أكثر مع الفلسطينيين.
من الأهمية بمكان أن تصاعد هذه الدعوات الأمريكية لتقليص المساعدات المقدمة للاحتلال، بالرغم من أهميتها، لكنها تصطدم بالمواقف التي يصدرها اللوبي المؤيد له في واشنطن، وما يزال يركز على دوره الوظيفي لحماية المصالح الأمريكية، في ضوء موقعه وسط العالم العربي الغني بالنفط، وقربه النسبي من طرق إمداداته، مما يُحتِّم على الولايات المتحدة تمويل هذا "الحارس".