فلسطين أون لاين

تقرير بدر مصري.. وعد والده بألا يطيل الغياب فغيَّبَهُ رصاص الاحتلال

...
تشييع الشهيد بدر المصري- أرشيف
نابلس- غزة/ أدهم الشريف:

عندما غادر الشاب بدر مصري ليتناول وجبة غذاء في أحد المطاعم برفقة أصدقائه، لم تتوقع عائلته للحظة واحدة أن بدر -آخر العنقود بين إخوته- لن يعود إلى منزله حيًّا مرة أخرى.

لقد عاد بدر أصغر أشقائه الأربعة، والذي كان يحظى بدلال واسع بين أفراد عائلته، محمولاً على الأكتاف إلى منزله في منطقة المساكن الشعبية، قرب مخيم عسكر، بمدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية.

بدر البالغ (19 عامًا) استُشهد برصاصة أطلقها قناص إسرائيلي خلال اقتحام جيش الاحتلال منطقة قبر يوسف، شرقي نابلس في ساعة متأخرة يوم 19 يوليو/ تموز الحالي.

اقرأ أيضاً: بالفيديو 13 إصابة خلال اقتحام جيش الاحتلال لمخيم نور شمس بطولكرم

وفي ذلك اليوم أمضى بدر ساعات ليست قليلة مع أصدقائه، وكأنه يودّع من كان يمضي معهم أوقاتًا طويلة، ويتنقل برفقتهم بين أنحاء نابلس، تلك المدينة التي أحبها هذا الشاب، ودافع عنها أمام انتهاكات الاحتلال، واقتحاماته المتكررة، وما رافقها من جرائم عديدة.

ما إن أسدل الليل ستاره، حتى باشر مستوطنون يهود باقتحام مقام يوسف القريب من منطقة سكن بدر في مخيم عسكر، وقد آثر أن يذهب إلى المنطقة كما عشرات الشبان الذين تجمَّعوا للتصدي للاقتحام، ومحاولة منعهم من تدنيس المقام في مشهد اعتاد عليه بدر في أكثر من منطقة بنابلس.

ودرجت العادة أن ترافق قوات معزَّزة من جيش الاحتلال المستوطنين في اقتحام المقام.

ويقول سامي مصري والد بدر لـ"فلسطين": إنه عند بداية الاقتحام أصر نجله على ترك أصدقائه رغم محاولاتهم منعه التوجه إلى منطقة مقام يوسف، لكنهم لم يتمكنوا.

وفي ذلك الوقت شعر مصري بقلق شديد على نجله، خاصة أنه اعتاد دائمًا على الخروج مع أصدقائه، والعودة متأخرًا في بعض الأحيان، لكنه لم يعلم أن نجله لن يعود سليمًا هذه المرة، فاتصل به في ساعة متأخرة من يوم الأربعاء الماضي للاطمئنان عليه، فأخبره بدر أنه لن يطيل الغياب، وسيعود قريبًا إلى منزله.

لم يكن أمام والد بدر، إلا أن يرمي بجسده المنهك على الفراش، بعد أن عاد متأخرًا من عمله، وبدا الإرهاق واضحًا عليه، وما هي إلا دقائق حتى جاءت زوجته فوزية غانمة تبكي بشدّة، بعد تلقيها نبأ إصابة نجلها برصاص الاحتلال، عبر رسالة إخبارية تناقلها النشطاء والصحفيون عبر تطبيقات المحادثة الفورية.

انتصب مصري من فراشه، وتوجَّه مسرعًا إلى المستشفى التخصصي في نابلس، حيث كان بعض أبنائه قد توافدوا وأصدقائهم للاطمئنان على بدر، وكان حينها قد فارق الحياة، بعد أن فتكت الرصاصة بجسده.

ويقول والد الشهيد: إن الرصاصة أصابت بدر في منطقة الظهر، واخترقت ومزَّقت أعضاءه الداخلية.

وكان جيش الاحتلال قد أطلق الرصاص بكثافة على الشبان الذين حاولوا التصدي لاقتحام مقام يوسف، بمشاركة قائد شرطة الاحتلال "يعقوب شبتاي"، ورئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة "يوسي داغان".

ويضيف مصري: إن استشهاد بدر ترك فراغًا كبيرًا بين أفراد أسرته، خاصة أنه آخر العنقود، ومحبوب بشكل كبير عند الجميع، لكنها أقدار الله.

وفي اليوم التالي لاستشهاد بدر، لم تبدُ الأمور على طبيعتها في منزل عائلته، حيث تجمَّع الآلاف لاستقبال الشهيد وتشييع جثمانه إلى مثواه الأخير، وسط حالة حزن هيمنت بقوة على الجميع، وبدا تأثيرها واضحًا على والدته ووالده وأشقائه الأربعة؛ أحمد (29 عامًا)، أمجد (27 عامًا)، أيمن (24 عامًا)، وتسنيم (22 عامًا).

وذرف أفراد العائلة الدموع بشدَّة في وداعه، وردَّد المشاركون هتافات التنديد والاستنكار في جنازته التي انطلقت من مستشفى رفيديا الحكومي، وجابت شوارع نابلس، وصولاً إلى ميدان الشهداء وسط المدينة، حيث أقيمت صلاة الجنازة قبل أن يوارى الثرى في المقبرة الشرقية بنابلس.