لا زلنا نذكر الهزة الأرضية التي تسبب بها وزير حرب الاحتلال يوآف غالانت حين طالب في مارس رئيسه بنيامين نتنياهو بوقف انقلابه القانوني، مما منح المعارضة دعمًا وزخمًا كبيرَين، ودفع الأخير إلى إقالته من منصبه في خطوة انفعالية تسببت له بأضرار أكثر من غالانت، التي استفاد منها كثيرًا في الظهور بشخصية المستعد للتضحية بموقعه الأهم في الدولة مقابل الحفاظ على مبادئها.
صحيح أن نتنياهو اضطر لاحقًا للتراجع عن ذلك القرار، لكن العلاقات لم تعد كما كانت، بل بقي رئيس الحكومة ودائرته الضيقة يتوجسون قلقًا من الوزير غير المنسجم كليًّا مع الانقلاب القضائي الجاري، مما كشف عن عدم التجانس داخل الائتلاف الحكومي، لأنه مع مرور الوقت كان الهاجس الذي يؤرق الجندي الأول في دولة الاحتلال أن نموذج "جيش الشعب" في طريقه للتصدّع مع تزايد أعداد الرافضين للخدمة العسكرية احتجاجًا على الانقلاب ذاته الذي يمعن نتنياهو في تنفيذه.
غالانت يبدي عنادًا لافتًا أمام نتنياهو الذي استطاع إخضاع وترويض بقية خصومه داخل الليكود، إما إقصاءً عن مواقع النفوذ والسلطة وإما إغواءً لهم بمنحهم مواقع وزارية ونيابية مغرية، لكن غالانت، وهو ابن المؤسسة العسكرية، لا يزال يظهر ولاءَه لها، ويستمع على مدار الساعة لجنرالات هيئة الأركان، ويلتقي بأسلافِه السابقين في هذا الموقع، ومعظمهم تقريبًا يبدون قلقهم من تبعات الانقلاب على الجيش، مما يثير مخاوف نتنياهو من تخلي غالانت عن مبادئه الأيديولوجية، وتأييده الحراك الحاصل داخل الوحدات العسكرية المختلفة.
اقرأ أيضًا: اليمين الإسرائيلي يستعرض خياراته الفلسطينية المتعثرة
اقرأ أيضاً: حكومة اليمين تواصل مسارها التخريبي في دولة الاحتلال
صحيح أن غالانت أعلن دون مواربة أنه يرفض ظاهرة الرفض المتسعة في صفوف الاحتياط للانخراط في الخدمة العسكرية، وأكد أنه يقف بحزم ضدها، ويسعى للقضاء عليها، باعتبار أنها معادية للدولة، ومضرّة بأمنها، بالرغم من أن من يقودها هم نخبة الجيش من الطيارين، والمقاتلين، وجنود السايبر، وعاملي القبة الحديدية، مما يعني تكبد الجيش بأكبر قدر من الأضرار، وتهديد الحفاظ على وحدة صفوفه.
الخشية التي تحيط بنتنياهو أن يتم "أسر" غالانت من مجموعات الضغط من مرتدي الزي العسكري، عقب خروجه سابقًا ضد الانقلاب القانوني، مما تسبب له بغضب الجمهور اليميني ضده، واليوم تسود قناعة مقلقة لدى تيار الانقلاب أن غالانت قد يعلن استسلامه مجددًا للرافضين له، ويجدد انحناءَه للمجموعات ذات التوجهات اليسارية داخل الجيش.
الخلاصة الإسرائيلية أن استجابة غالانت لدعوات أسلافه من وزراء الحرب السابقين، وجنرالات هيئة أركانه الحاليين، قد تتسبب بأضرار جسيمة للجيش، وتنزع عنه "الصمغ اللاصق" الذي يتوحد الإسرائيليون من خلاله بالرغم من كثرة خلافاتهم وتنامي تناقضاتهم، يومًا بعد يوم.